words' theme=''/>

ندعو إلى التمسك بالمنهج الصحيح المتكامل لفهم الإسلام الصحيح والعمل به، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، لنعود بك إلى الصدر الأول على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم من القرون الفاضلة إلى يوم الدين ...أبو سامي العبدان

الاثنين، 25 ديسمبر 2017

رد شبهة ياسر برهامي بأن طلب الدعاء من الأموات والغائبين بدعة وليس بشرك أكبر

قال ياسر برهامي فيما سماه "أدب الخلاف":
"التوسل البدعي بطلب الدعاء من الأموات والغائبين.
نحن قلنا بأن دعاء غير الله، وطلب المدد من النوع الوسط، وهو كفر النوع، والمعين يحتاج إلى إقامة الحجة عليه.
فمن يقول للشيخ: يا شيخ فلان! ادع الله لي، فهذا بدعة بالاتفاق، لكن من جهة أنه كفر فهو ليس بكفر!!، لأنه لم يصرف العبادة لغير الله، ونحن نقول: الشرك والكفر لا بد أن يكون فيه صرف للعبادة لغير الله، أو تكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم، من أجل هذا نقول: إن التوسل البدعي بطلب الدعاء من الأموات والغائبين كقوله: يا سيدي فلان! ادع الله لي.
هذا شرك أصغر، لأنه ذريعة إلى الشرك الأكبر، ولا يكفر صاحبه باتفاق!!، لأنه لم يصرف العبادة لغير الله ...".

ثم ذكر كلاما لشيخ الإسلام ابن تيمية يوهم أن هذا هو مذهبه...

أقول: إن دعواه الاتفاق على أن هذا النوع بدعة ووسيلة من وسائل الشرك ليس بصحيح بل هي فرية منه، وأما كون بعض العلماء قال إنه بدعة فهذا لا ينفي أنه من الشرك وهو بحسب حال الداعي، وإن مما لا شك فيه أن هذا الداعي يعتقد في المدعو أنه يسمعه ويستجيب لطلبه بالدعاء المطلوب منه، فإذا وقف عند صاحب القبر مائة ممن يريدودن من المدعو: نبيا كان أو وليا، أن يسأل الله لهم، فهم يعتقدون أنه يسمعهم كلهم في هذه اللحظة، وأنه محيط بسمعهم، وهذا من شرك الأسماء والصفات، فإن هذا الداعي اعتقد في النبي أو الولي صفة لا تكون إلا لله تعالى، فهو سبحانه المتفرّد والمحيط بسمع كلام مَن يدعوه، يسمع كلامهم كلّهم مع اختلاف لغاتهم، وتفنن حاجاتهم، يسمع دعاءَهم سمْع إجابة، ويسمع كل ما يقولونه سمع علم وإحاطة، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل.
وإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قد يصف بعض الأعمال بأنها بدعة وهذا لا ينفي أنها من الشرك، فبناء القباب على القبور، وسؤال أصحابها الشفاعة، والذبح لها، وشد الرحال إليها مشيًا على الأقدام، كل هذا من البدع الحادثة في هذه الأمة، وإن وصْفَ شيخ الإسلام ابن تيمية لها بأنها بدعة لا ينفي أنها من الشرك، وأن فاعله مشرك، ولا يجوز أن ينسب لشيخ الإسلام ابن تيمية مثل هذا القول لأنه خلاف منهجه المسطر في كتبه وفتاواه، فإن هذه المسألة لها حكم الشفاعة فمن طلب من الميت أن يدعوَ له، فهذا معناه أنه طلب منه أن يشفع له، والشفاعة لا تصلح إلا لله، قال شيخ الإسلام في "الواسطة بين الحق والخلق" (ص 25):
"وإن أثبتم وسائط بين الله وبين خلقه ـ كالحجاب الذين بين الملك ورعيته ـ بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، فالله إنما يهدى عباده ويرزقهم بتوسطهم، فالخلق يسألونهم، وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك الحوائج للناس، لقربهم منهم، والناس يسألونهم، أدبا منهم أن يباشروا سؤال الملك، أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك؛ لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج. فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه، فهو كافر مشرك، يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. وهؤلاء مشبهون لله، شبهوا المخلوق بالخالق، وجعلوا لله أندادا".
وقال في "اقتضاء الصراط المستقيم" 2/ 222:
"وأما التحريم من جهة الطلب: فيكون تارة لأنه دعاء لغير الله، مثل ما يفعله السحرة من مخاطبة الكواكب، وعبادتها ونحو ذلك، فإنه قد يقتضي عقب ذلك أنواعا من القضاء، إذا لم يعارضه معارض، من دعاء أهل الإيمان وعبادتهم، أو غير ذلك ولهذا تنفذ هذه الأمور في أزمان فترة الرسل، وفي بلاد الكفر والنفاق، ما لا تنفذ في دار الإيمان وزمانه.
ومن هذا: أني أعرف رجالا يستغيثون ببعض الأحياء في شدائد تنزل بهم، فيفرج عنهم، وربما يعاينون أمورا، وذلك الحي المستغاث به لم يشعر بذلك، ولا علم به البتة، وفيهم من يدعو على أقوام، أو يتوجه في إيذائهم، فيرى بعض الأحياء أو بعض الأموات يحول بينه وبين إيذاء أولئك، وربما رآه ضاربا له بسيف، وإن كان الحائل لا شعور له بذلك، وإنما ذلك من فعل الله سبحانه، بسبب يكون بين المقصود وبين الرجل الدافع، من اتباع له، وطاعته فيما يأمره من طاعة الله، ونحو ذلك. فهذا قريب.
وقد يجري لعباد الأصنام أحيانا من الجنس المحرم، محنة من الله، بما تفعله الشياطين لأعوانهم، فإذا كان الأثر قد يحصل عقب دعاء من قد تيقن أنه لم يسمع الدعاء، فكيف يتوهم أنه هو الذي تسبب في ذلك، أو أن له فيه فعلا؟
وإذا قيل: إن الله يفعله بذلك السبب، فإذا كان السبب محرما لم يجز، كالأمراض التي يحدثها الله عقب أكل السموم، وقد يكون الدعاء المحرم في نفسه دعاء لغير الله، وأن يدعو الله كما تقول النصارى: يا والدة الإله اشفعي لنا إلى الإله. وقد يكون دعاء لله لكنه توسل إليه بما لا يُحب أن يتوسل به، كالمشركين الذين يتوسلون إلى الله بأوثانهم، وقد يكون دعاء لله بكلمات لا تصلح أن يناجى بها الله، ويدعى بها، لما في ذلك من الاعتداء.
فهذه الأدعية ونحوها، وإن كان قد يحصل لصاحبها أحيانا غرضه، لكنها محرمة، لما فيها من الفساد الذي يربي على منفعتها، كما تقدم. ولهذا كانت هذه فتنة في حق من لم يهده الله، وينور قلبه، ويفرق بين أمر التكوين وأمر التشريع، ويفرق بين القدر والشرع ويعلم أن الأقسام ثلاثة:
1- أمور قدرها الله، وهو لا يحبها ولا يرضاها، فإن الأسباب المحصلة لهذه تكون محرمة موجبة لعقابه.
2 - وأمور شرعها فهو يحبها من العبد ويرضاها، لكن لم يعنه على حصولها، فهذه محمودة عنده مرضية، وإن لم توجد.
والقسم الثالث: أن يعين الله العبد على ما يحبه منه.
فالأول: إعانة الله.
والثاني: عبادة الله.
والثالث: جمع له بين العبادة والإعانة، كما قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فما كان من الدعاء غير المباح إذا أثر: فهو من باب الإعانة لا العبادة كسائر الكفار والمنافقين والفساق. ولهذا قال تعالى في مريم: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} [التحريم: 12]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزها بر ولا فاجر.
ومن رحمة الله تعالى، أن الدعاء المتضمن شركًا، كدعاء غيره أن يفعل، أو دعائه أن يدعو، ونحو ذلك - لا يحصل غرض صاحبه، ولا يورث حصول الغرض شبهة إلا في الأمور الحقيرة، فأما الأمور العظيمة، كإنزال الغيث عند القحوط، أو كشف العذاب النازل، فلا ينفع فيه هذا الشرك. كما قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} ..." .
وقال شيخ الإسلام كما في "جامع رسائله" 2/ 376- 377 :
"فأما مجيء الإنسان إلى الرسول عند قبره وقوله استغفر لي أو سل لي ربك، أو ادع لي أو قوله في مغيبه يا رسول الله ادع لي، أو استغفر لي أو سل لي ربك كذا وكذا فهذا لا أصل له، ولم يأمر الله بذلك ولا فعله واحد من سلف الأمة المعروفين في القرون الثلاثة، ولا كان ذلك معروفا بينهم ولو كان هذا مما يستحب لكان السلف يفعلون ذلك، ولكان ذلك معروفا فيهم بل مشهورا بينهم ومنقولا عنهم فإن مثل هذ ا إذا كان طريقا إلى غفران السيئات وقضاء الحاجات لكان مما تتوفر الهمم والدواعي على فعله وعلى نقله لا سيما فيمن كانوا أحرص الناس على الخير فإذا لم يعرف أنهم كانوا يفعلون ذلك ولا نقله أحد عنهم علم أنه لم يكن مما يستحب ويؤمر به، بل المنقول الثابت عنه ما أمر الله به النبي صلى الله عليه وسلم من نهيه عن اتخاذ قبره عيدا ووثنا وعن اتخاذ القبور مساجد".

وقال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (1/ 158):
"وقد يخاطبون الميت عند قبره: سل لي ربك، أو يخاطبون الحي وهو غائب كما يخاطبونه لو كان حاضرا حيا وينشدون قصائد يقول أحدهم فيها: يا سيدي فلان أنا في حسبك أنا في جوارك اشفع لي إلى الله سل الله لنا أن ينصرنا، على عدونا سل الله أن يكشف عنا هذه الشدة أشكو إليك كذا وكذا فسل الله أن يكشف هذه الكربة. أو يقول أحدهم: سل الله أن يغفر لي...
ثم قال: فهذه الأنواع من خطاب الملائكة والأنبياء والصالحين بعد موتهم عند قبورهم وفي مغيبهم وخطاب تماثيلهم هو من أعظم أنواع الشرك الموجود في المشركين".

وقال شيخ الإسلام في "قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق" (ص 120):
 "وأما بعد موته – يعني النبي صلى الله عليه وسلم - فلم يكن الصحابة يطلبون منه ما كانوا يطلبون منه في حياته، لا من دعاء، ولا من غير دعاء البتة، ولا كان السلف في القرون الثلاثة يأتون إلى قبر أحدٍ من الأنبياء، والصالحين، يطلبون منه حاجة، ولا دعاء، ولا غيره، ولا يسافرون إلى قبره، بل إذا زاروا قبور المؤمنين كان مقصودهم الدعاء لهم كالصلاة على جنائزهم، لا دعاؤهم، ولا الدعاء بهم.
فتبين أن قول جمهور العلماء الذين لا يستحبون أن يطلب منه بعد موته استغفار، ولا غيره، هو المشروع الذي كان عليه الصحابة.
وأيضًا فلو شرع أن يطلب من الميت الدعاء، والشفاعة، كما كان يطلب منه في حياته، كان ذلك مشروعًا في حق الأنبياء، والصالحين، فكان يسنّ أن يأتي الرجل قبر الرجل الصالح، نبيًّا كان، أو غيره، فيقول ادع لي بالمغفرة، والنصر، والهدى، والرزق، اشفع لي إلى ربك، فيتخذ الرجل الصالح شفيعًا بعد الموت، كما يفعل ذلك النصارى، وكما تفعل كثير من مبتدعة المسلمين، وإذا جاز طلب هذا منه، جاز أن يطلب ذلك من الملائكة، فيقال: يا جبريل، يا ميكائيل، اشفع لنا إلى ربك، ادع لنا.
ومعلوم أن هذا ليس من دين المسلمين، ولا دين أحد من الرسل، لم يسنّ أحد من الأنبياء للخلق أن يطلبوا من الصالحين الموتى، والغائبين، والملائكة، دعاء، ولا شفاعة، بل هذا أصل الشرك".

وقال ابن القيم في "مدارج السالكين" 1/ 353:
"فإن الميت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا فضلا عمن استغاث به وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع له عنده ، كما تقدم فإنه لا يقدر أن يشفع له عند الله إلا بإذنه والله لم يجعل استغاثته وسؤاله سببا لإذنه، وإنما السبب لإذنه : كمال التوحيد ، فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن وهو بمنزلة من استعان في حاجة بما يمنع حصولها وهذه حالة كل مشرك والميت محتاج إلى من يدعو له ويترحم عليه ويستغفر له كما أوصانا النبي إذا زرنا قبور المسلمين : أن نترحم عليهم ونسأل لهم العافية والمغفرة ، فعكس المشركون هذا وزاروهم زيارة العبادة واستقضاء الحوائج والاستغاثة بهم وجعلوا قبورهم أوثانا تعبد".
ولنضرب مثالا يبيّن المسألة:
إذا طلب أحد في هذه الأيام من النبي صلى الله عليه وسلم مع حياته البرزخية الكاملة أن يشفع له عند الله، فهذا الطالب سأله والسؤال دعاء، فحقيقة طلب الشفاعة أنها دعوة الميت، سواء طلب الدعاء من الميت بأن يدعو الله له، أو طلبه مباشرة، فإذا قال السائل: يا محمد، يا رسول الله! اسأل الله لي. فهو في الحقيقة قد سأله وطلب منه، وهذا هو سؤال المخلوق، وطلب الدعاء ممن ليس في الحياة الدنيا ممن هو عند الله جل وعلا، لأن السائل اعتقد في المسؤول أنه يستجيب له، وإن الله سبحانه وتعالى قد نهانا أن ندعو أحدا غيرَه فقال جل وعلا {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}، فعلى من يفرّق بين الأمرين عليه أن يخرج هذه الصورة من عموم الآية وأنّى له ذلك، فإن قوله تعالى {فَلا تَدْعُوا} نص عام يشمل جميع أنواع الدعاء، من استغاثة، أو مسألة.
قال العلّامة السعدي في تفسير هذه الآية:
" أي: لا دعاء عبادة، ولا دعاء مسألة، فإن المساجد التي هي أعظم محال العبادة مبنية على الإخلاص لله، والخضوع لعظمته، والاستكانة لعزته".
وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}.
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد في "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد" (ص 197):
"حاصل كلام المفسرين أن الله تعالى حكم بأنه لا أضل ممن يدعو من دون الله، لا دعاء عبادة ولا دعاء مسألة واستغاثة من هذه حاله. ومعنى الاستفهام فيه إنكار أن يكون في الضلال كلهم أبلغ ضلالا ممن عبد غير الله ودعاه، حيث يتركون دعاء السميع المجيب القادر على تحصيل كل بغية ومرام، ويدعون من دونه من لا يستجيب لهم، ولا قدرة به على استجابة أحد منهم ما دام في الدنيا وإلى أن تقوم القيامة، كما قال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ} وقوله: {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} أي لا يشعرون بدعاء من دعاهم، لأنهم إما عباد مسخرون مشتغلون بأحوالهم كالملائكة، وإما أموات كالأنبياء والصالحين، وإما أصنام وأوثان. وقوله: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً}، أي: إذا قامت القيامة وحشر الناس للحساب عادوهم وكانوا بعبادتهم الدعاء وغيره من أنواع العبادة كافرين، كما قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً}، فليسوا في الدارين إلا على نكد ومضرة، لا تتولاهم بالاستجابة في الدنيا، وتجحد عبادتهم في الآخرة وهم أحوج ما كانوا إليها.
وفي الآيتين مسائل نبه عليها المصنف:
 أحدها: أنه لا أضل ممن دعا غير الله.
الثانية: أنه غافل عن دعاء الداعي لا يدري عنه.
 الثالثة: أن تلك الدعوة سبب لبغض المدعو للداعي وعداوته له.
 الرابعة: تسمية تلك الدعوة عبادة للمدعو.
 الخامسة: كفر المدعو بتلك العبادة.
السادسة: أن هذه الأمور هي سبب كونه أضل الناس.

هذا ما تيسر لي وهو رد مختصر فيه ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

كتبه أحوج الناس لعفو ربه
أبو سامي العبدان
حسن التمام
7 – ربيع الثاني – 1439 هجري

الأربعاء، 20 ديسمبر 2017

مشروعية التهجد مع جماعة المسلمين في العشر الأواخر من رمضان


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذه التراويح التي يصليها الناس هذه الأيام بعد العشاء ليست هي التي كان يصليها الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه، قال السائب بن يزيد: أمر عمر بن الخطاب أبيّ بن كعب وتميما الداري أن يقوما بالناس بإحدى عشرة ركعة، قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر". 
أخرجه مالك في "الموطأ" 1/ 115، ومن طريقه النسائي في "السنن الكبرى" (4670)، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 293، والفريابي في "الصيام" (174)، والبيهقي 2/ 496، وفي "المعرفة" (5414)، وفي "فضائل الأوقات" (126) بإسناد صحيح [1]
وروى مالك أيضا 1/ 116، ومن طريقه الفريابي في "الصيام" (177) و (178) عن عبد الله بن أبي بكر، قال: سمعت أبي يقول: "كنا ننصرف في رمضان، فنستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر"، فصلاة الصحابة كانت تستمر حتى أنهم كانوا يخافون أن يفوتهم السحور، فمن المجازفة القول ببدعية التهجد الذي يفعله المسلمون اليوم، لأنه لا ضير على من يصلي  شيئا من التراويح، ثم يرجع آخر الليل ليوتر فيما بقي له من صلاته في جماعة حتى يدرك وقت الفضيلة، لقوله صلى الله عليه وسلم "فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل" رواه مسلم (755)، وإن لهديه صلى الله عليه وسلم جهتان، جهة عددية، وأخرى زمنية، فنحن نحرص على هديه صلى الله عليه وآله وسلم في الزمن فيما بقي من الإحدى عشرة ركعة طلبا للمغفرة من الله تعالى في هذا الزمن الفاضل وقت نزول الله تعالى، وتحريا لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فقد بوّب ابن خزيمة في "صحيحه" (باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما خص القيام بالناس هذه الليالي الثلاث لليلة القدر فيهن) ثم روى (2205)، وأحمد 5/ 180 بإسناد صحيح عن أبي ذر، أنه قال:
"قام بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل الأول، ثم قال: «ما أحسب ما تطلبون إلا وراءكم»، ثم قام ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قال:
 «ما أحسب ما تطلبون إلا وراءكم»، ثم قمنا ليلة سبع وعشرين إلى الصبح".
 وكان الصحابة رضي الله عنهم في خلافة أبي بكر يصلون جماعة  في المسجد أول الليل وآخره أفرادا وجماعات، روى ابن شبة في "تاريخ المدينة" 2/ 713 من طريق أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن قالا: 
"كان الناس يقومون رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر رضي الله عنه، وبعض إمارة عمر رضي الله عنه فرادى، حتى جعل الرجل الذي معه القرآن إذا صلى جاء القوم يقفون خلفه، حتى صاروا في المسجد زمرا، هاهنا زمرة، وهاهنا زمرة، مع كل من يقرأ...".
 ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا بالتزام وقتٍ خاص ولم يقيّد الصلاة بعدد معين، أما بخصوص عدم إلتزام وقت معين فقد قالت عائشة رضي الله عنها:
"من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السحر". 
أخرجه البخاري (996)، ومسلم (745).
وأما عدم التقييد بعدد معيّن، فقد رغّب النبي صلى الله عليه وسلم بقيام رمضان من غير تقييد لعدد ركعاته، فقال: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه، وقال:
"صلاة الليل مثنى مثنى" متفق عليه، وأما قوله صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي" فالمراد به الكيفية، وليس العدد، لأن الأحاديث الدالة على عدم التحديد فيه مخصصة لهذا الحديث على وجوب التأسي في الكيفية لا في العدد، فقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم السائل عن صلاة الليل بأنها "مثنى مثنى، فإذا أردت أن تنصرف، فاركع ركعة توتر لك ما صليت" 
رواه البخاري (993)، وفي رواية له (473) "فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة، توتر لك ما قد صليت"، فقيّدها برغبة الانصراف أو خشية الصبح، ولم يذكر عددا، وإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التخفيف على أمته فقد قالت عائشة رضي الله عنها: 
"إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيكتب عليهم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط يسبح سبحة الضحى وإني لأسبحها" متفق عليه.
 ومما لا شك فيه أن التأسي بفعله صلى الله عليه وسلم أفضل، لكن هذا لا ينافي مشروعية الزيادة على إحدى عشرة ركعة أو بأقلّ منها، وقد ثبت أن الصحابة كانوا يقومون في رمضان بعشرين ركعة، فقد روى أبو القاسم البغوي في "الجعديات" (2825)، ومن طريقه البيهقي 2/ 496، وفي "فضائل الأوقات" (127)، والفريابي في "الصيام" (176) عن ابن أبى ذئب، والبيهقي في "السنن الصغير" (821)، وفي "المعرفة" (5409) من طريق محمد بن جعفر، كلاهما عن يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد، قال: 
"كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى شهر رمضان بعشرين ركعة، قال: وكانوا يقرءون بالمئين، وكانوا يتوكئون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان رضى الله عنه من شدة القيام".
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقال الحافظ أبو الفضل العراقي في "طرح التثريب" 3/ 97: 
"وعدوا ما وقع في زمن عمر رضي الله عنه كالإجماع".
وعن يزيد بن رومان: قال: "كان الناس يقومون في زمن عمر في رمضان بثلاث وعشرين ركعة".
أخرجه مالك 1/ 115، ومن طريقه الفريابي في "الصيام" (179) و (180)، والبيهقي 2/ 496، وإسناده منقطع، يزيد بن رومان لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وأخرج عبد الرزاق في "المصنف" (7733) عن الأسلمي، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، عن السائب بن يزيد قال: 
"كنا ننصرف من القيام على عهد عمر، وقد دنا فروع الفجر، وكان القيام على عهد عمر ثلاثة وعشرين ركعة".
وإسناده ضعيف جدا، الأسلمي هو إبراهيم بن محمد بن أبى يحيى: متروك الحديث، وقال ابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 114: "وروى الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، عن السائب بن يزيد، قال: كان القيام على عهد عمر بثلاث وعشرين ركعة - قال ابن عبد البر -: هذا محمول على أن الثلاث للوتر"، فلا أدري أهو طريق آخر عن الحارث أم هي نفسها رواية عبد الرزاق؟!، والذي يجعلني أستبعد الثاني، تأويل ابن عبد البر لهذا الحديث فهو فرع التصحيح، وكذا إقرار العيني له في "عمدة القارة" 11/ 127، فقد قال: "وقال شيخنا: وما حمله عليه في الحديثين صحيح، بدليل ما روى محمد بن نصر من رواية يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد أنهم كانوا يقومون في رمضان بعشرين ركعة في زمان عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه".
وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 392 من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري: "أن عمر بن الخطاب أمر رجلا يصلي بهم عشرين ركعة".
وإسناده منقطع، يحيى بن سعيد لم يدرك عمر رضي الله عنه، ومثله ما أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 393 من طريق عبد العزيز بن رفيع، قال: 
"كان أبي بن كعب يصلي بالناس في رمضان بالمدينة عشرين ركعة ويوتر بثلاث".
 وقال محمد بن كعب القرظي كما في "مختصر قيام الليل" (ص 220) لابن نصر المروزي: "كان الناس يصلون في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رمضان عشرين ركعة يطيلون فيها القراءة ويوترون بثلاث".
وأخرج أحمد بن منيع كما في "إتحاف الخيرة" (1726)، ومن طريقه الضياء في "الأحاديث المختارة" (1161) أخبرنا الحسن بن موسى، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب:
"أن عمر أمر أبيا أن يصلي بالناس في رمضان، فقال: إن الناس يصومون النهار ولا يحسنون أن يقرؤا فلو قرأت القرآن عليهم بالليل، فقال: يا أمير المؤمنين هذا شيء لم يكن، فقال: قد علمت ولكنه أحسن فصلى بهم عشرين ركعة".
 وهذا حديث صحيح بما قبله، وإسناده ضعيف، أبو جعفر الرازي هو عيسى بن ماهان: قال أبو زرعة: يهم كثيرا، وقال النسائي: ليس بالقوي، ووثقه أبو حاتم! 
ولا تعارض بين رواية الإحدى عشرة ركعة، ورواية العشرين، لأن الجمع ممكن فقد جمع البيهقي بينهما بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر بإحدى عشرة ركعة زمانا، ثم أمر بعدُ بالعشرين، ولأن في رواية ابن خصيفة ما ليس في رواية محمد بن يوسف، ففيها أنهم "كانوا يتوكئون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان رضى الله عنه من شدة القيام"، وهذا هو الثابت عن السلف، فقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف" 2/ 393 حدثنا ابن نمير، عن عبد الملك، عن عطاء، قال: 
"أدركت الناس وهم يصلون ثلاثا وعشرين ركعة بالوتر".
وهذا إسناد حسن، عبد الملك هو ابن أبى سليمان العرزمي: صدوق، وباقي رجاله ثقات.
وأخرج عبد الرزاق (7741)، ومن طريقه الطبراني 9/ (9588)، وابن أبي شيبة 2/ 395 من طريق الأعمش، عن زيد بن وهب، قال:
"كان عبد الله يؤمنا في رمضان وينصرف وعليه ليل"، وأخرجه ابن نصر كما في "مختصر قيام الليل" (ص 221)، وزاد: "قال الأعمش: "كان يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث".
وأخرج ابن أبي شيبة 2/ 392 عن وكيع، عن حسن بن صالح، عن عمرو بن قيس، عن أبي الحسناء:
 "أن عليا أمر رجلا يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة".
وإسناده ضعيف، أبو الحسناء: مجهول.
وأخرجه الآجري في "الشريعة" (1240) من طريق الحكم بن مروان قال: حدثنا الحسن بن صالح بإسناده، ولفظه:
"أمر رجلا أن يصلي بالناس في رمضان خمس ترويحات عشرين ركعة".
وأخرجه البيهقي 2/ 497 من طريق الحكم بن مروان السلمي، أخبرنا الحسن بن صالح، عن أبى سعد البقال، عن أبي الحسناء به.
فصار سعيد بن المرزبان بدلا عن عمرو بن قيس، وقال البيهقي:
"وفي هذا الإسناد ضعف".
وله طريق أخرى عن علي:
أخرجه البيهقي 2/ 496 من طريق حماد بن شعيب، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه قال: 
"دعا القراء فى رمضان، فأمر منهم رجلا يصلى بالناس عشرين ركعة. قال: وكان علي رضى الله عنه يوتر بهم".
وهذا إسناد ضعيف، حماد بن شعيب: ضعفه ابن معين، والنسائي، وقال البخاري: فيه نظر.
وقال أبو حاتم: ليس بالقوي.
وعطاء بن السائب: صدوق اختلط كما في "التقريب". 
وعن عبد الله بن قيس أن شتير بن شكل وهو من أصحاب علي رضي الله عنه "كان يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر".
أخرجه ابن أبي شيبة 2/ 392، وفي إسناده عبد الله بن قيس: مجهول.
وفي "مختصر قيام الليل" (ص 221) لابن نصر المروزي"عن شتير: وكان من أصحاب عبد الله المعدودين".
وقال البييهقي في "السنن الكبرى" 2/ 496، وفي "فضائل الأوقات" (ص 276):
"وروينا عن شتير بن شكل وكان من أصحاب علي رضي الله عنه أنه كان يؤمهم في شهر رمضان بعشرين ركعة ويوتر بثلاث".
وأخرج البيهقي 2/ 496 من طريق محمد بن عبد الوهاب أخبرنا جعفر بن عون، أخبرنا أبو الخصيب قال: 
"كان يؤمنا سويد بن غفلة في رمضان، فيصلي خمس ترويحات عشرين ركعة".
وهذا إسناد صحيح، أبو الخصيب هو نفاعة بن مسلم: قال ابن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: ليس به بأس.
ووثقه ابن حبان 7/ 547.
وهذه الروايات بمجموعها تجعلنا على يقين أن قيام رمضان لم يقيّد بعدد معين، قال الحافظ في "الفتح" 4/ 253-254:
"والاختلاف فيما زاد عن العشرين راجع إلى الاختلاف في الوتر وكأنه كان تارة يوتر بواحدة وتارة بثلاث، وروى محمد بن نصر من طريق داود بن قيس، قال: أدركت الناس في إمارة أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز - يعني بالمدينة - يقومون بست وثلاثين ركعة، ويوترون بثلاث.
 وقال مالك: هو الأمر القديم عندنا.
 وعن الزعفراني عن الشافعي: رأيت الناس يقومون بالمدينة بتسع وثلاثين وبمكة بثلاث وعشرين وليس في شيء من ذلك ضيق. 
وعنه قال: إن أطالوا القيام وأقلوا السجود فحسن، وإن أكثروا السجود وأخفوا القراءة فحسن، والأول أحب إلي.
 وقال الترمذي: أكثر ما قيل فيه أنها تصلى إحدى وأربعين ركعة. يعني بالوتر كذا قال، وقد نقل ابن عبد البر عن الأسود بن يزيد: تصلى أربعين ويوتر بسبع، وقيل ثمان وثلاثين. ذكره محمد بن نصر عن ابن أيمن عن مالك، وهذا يمكن رده إلى الأول بانضمام ثلاث الوتر، لكن صرح في روايته بأنه يوتر بواحدة فتكون أربعين إلا واحدة، قال مالك: وعلى هذا العمل منذ بضع ومائة سنة، وعن مالك: ست وأربعين وثلاث الوتر وهذا هو المشهور عنه، وقد رواه ابن وهب عن العمري عن نافع قال: لم أدرك الناس إلا وهم يصلون تسعا وثلاثين يوترون منها بثلاث وعن زرارة بن أوفى أنه كان يصلي بهم بالبصرة أربعا وثلاثين ويوتر، وعن سعيد بن جبير: أربعا وعشرين، وقيل ست عشرة غير الوتر روى عن أبي مجلز عند محمد بن نصر".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 22/ 272: 
"قيام رمضان لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم فيه عددا معينا، بل كان هو صلى الله عليه وسلم  لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة لكن كان يطيل الركعات، فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث، وكان يخف القراءة بقدر ما زاد من الركعات لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث، وهذا كله سائغ فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن، والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين فإن كان فيهم احتمال لطول القيام فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل، وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك، ولا يكره شيء من ذلك، وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره، ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد موقت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ".

وقال العلامة أبا بطين كما في "الدرر السنية" 4/ 369-370:
"لا توقيت في عدد التراويح، وأن وقتها عند جميع العلماء من بعد سنة العشاء إلى طلوع الفجر، وأن إحياء العشر سنة مؤكدة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي جماعة، كما قدمنا، فكيف ينكر على من زاد في صلاة العشر الأواخر عما يفعله أول الشهر، فيصلي في العشر أول الليل كما يفعل في أول الشهر، أو أقل، أو أكثر، من غير أن يوتر؟ وذلك لأجل الضعيف لمن يحب الاقتصار على ذلك، ثم يزيد بعد ذلك ما يسره الله في الجماعة، ويسمى الجميع قيامًا وتراويح، وربما اغتر المنكر لذلك بقول كثير من الفقهاء: يستحب أن لا يزيد الإمام على ختمة إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة. وعللوا عدم استحباب الزيادة على ختمة بالمشقة على المأمومين، لا لكون الزيادة غير مشروعة، ودل كلامهم لو آثروا الزيادة على ختمة كان مستحبًا، وذلك مصرح به في قولهم: إلا أن يؤثر المأمومون الزيادة.
وأما ما يجري على ألسنة العوام، من تسميتهم ما يفعل أول الليل تراويح، وما يصلي بعد ذلك قيامًا، فهو تفريق عامي، بل الكل قيام، وتراويح، وإنما سمي قيام رمضان تراويح، لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات من أجل أنهم كانوا يطيلون الصلاة، وسبب إنكار المنكر لذلك لمخالفته ما اعتاده وألفه من عادة أهل بلده، وأكثر أهل الزمان، ولجهله بالسنة والآثار، وما عليه الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام، وما يظنه بعض الناس من أن صلاتنا في العشر هي صلاة التعقيب الذي كرهه بعض العلماء، فليس كذلك، لأن التعقيب هو التطوع جماعة بعد الفراغ من التراويح والوتر، هذه عبارة جميع الفقهاء في تعريف التعقيب أنه التطوع جماعة بعد الوتر عقب التراويح، فكلامهم ظاهر في أن الصلاة جماعة قبل الوتر ليس هو التعقيب.
وأيضا، فالمصلي زيادة عن عادته في أول الشهر، يقول: الكل قيام وتراويح، فهو لم يفرغ من التراويح، وأما تسمية الزيادة عن المعتاد قياما، فهذه تسمية عامية، بل الكل قيام وتراويح".

وقال العلامة ابن باز:
"قيام رمضان سنة في المساجد، يقول صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، كونه يقوم رمضان مع إخوانه في المساجد أفضل، وإن صلّى في بيته ولا حرج، وليس لها حدٌ محدود، لكن الأفضل إحدى عشرة أو ثلاثة عشرة، هذا الأفضل، وإن صلّى أكثر، عشرين والوتر، ثلاثين والوتر، أربعين والوتر ما في حرج والحمد لله، لكن أفضلها هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة أو ثلاث عشرة هذا أكثر ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم يسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة، هذا هو الأفضل سواء صلاها في أول الليل، أو في وسط الليل أو في آخر الليل، أو فرقها صلّى بعضها في أوله وبعضها في وسطه، أو بعضها في أوله وبعضها في آخره، كل هذا لا حرج فيه، وهكذا في المساجد إذا صلوها جميعاً في أول الليل أو صلوها في آخر الليل أو بعضها في أول الليل وبعضها في آخر الليل، كل هذا بحمد الله لا حرج فيه، هذا أمر موسع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما شرط شيئاً، قال: (من قام رمضان) ولما دخلت العشر أحياها كلها عليه الصلاة والسلام، فالأمر في هذا واسع، إذا أحيا العشر كلها من أولها إلى آخرها فهذا أفضل، وإن استراح فيما بينها فلا بأس، وإذا صلّى التراويح في أول الليل أو اتفقوا على أن يصلوها في آخر الليل كل ذلك لا بأس به، والحمد لله".
مفرغ من شريط في موقع الشيخ رحمه الله تعالى http://www.binbaz.org.sa/noor/6674



كتبه أحوج الناس لعفو ربه
أبو سامي العبـــــدان
حســــــن التمــــــام
24 رمضان 1438
________

1 - وتابع مالكا: يحيى بن سعيد القطان كما في "مصنف ابن أبي شيبة" 2/ 391-392، و "تاريخ المدينة" 2/ 713 لابن شبة، وإسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري كما في "حديث علي بن حجر السعدي عنه" (440).
وخالفهم داود بن قيس الفراء، ومحمد بن إسحاق:
 فأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (7730) عن داود بن قيس، وغيره، عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد: 
"أن عمر جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب، وعلى تميم الداري على إحدى وعشرين ركعة يقرءون بالمئين وينصرفون عند فروع الفجر".
وأخرجه ابن نصر في "قيام الليل" كما في "الفتح" 4/ 254 من طريق محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن يوسف، عن جده السائب بن يزيد، قال:
"كنا نصلي زمن عمر في رمضان ثلاث عشرة"، قال ابن إسحاق: وهذا أثبت ما سمعت في ذلك وهو موافق لحديث عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل".

كشف الوهم والإيهام بالتدليل على ما جاء في جواز المسح على النعلين للقاسمي محمد جمال


بسم الله الرحمن الرحيم


مقدمة


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
 ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ ِمنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقيبًا﴾ [النساء: 1].
 ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ َأعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد، فان أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
قرأت لعدة مرات رسالة اسمها (المسح على الجوربين والنعلين) تأليف محمد جمال الدين القاسمي (المتوفى: 1332هـ) وقد جاء فيها القول بجواز المسح على النعلين، واستدل له بحجج غير صالحة للاستدلال بها، وستقف إن شاء الله تعالى على بيان ما فيها، لأنني سأتناول ما استدل به فقرة فقرة:

حجج تهافت كالزجاج تخالها ... حَقًا وكل كاسر مكسور

اعلم رحمك الله تعالى أن أئمة المذاهب كلهم من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة قد اتفقوا على عدم جواز المسح على النعلين إذ النعل لا يستر محل الفرض، وقد نص الفقهاء على شرط في مشروعية المسح على الخفين وهو أن يكونا ساترين للكعبين فإن اختل هذا الشرط فإنه لا يجوز المسح عليهما، ويستحيل أن يتفق أئمة الدين على ترك مشروع ولستُ ممن يتعصب أو يجمد على ما في المذاهب ولكن الحق أن ما ذُكر غير صالح للاستدلال، فقد قمت بتتبع ما استُدل به على جواز المسح على النعلين فإذا هي أدلة غير صالحة للاحتجاج وهذه نبذة من مذاهب أئمة الدين، أما المذهب الحنفي فإنه لا يجزئ عندهم المسح على النعلين في الوضوء، فقد قالوا: إذا لم يستر الخف جميع القدم مع الكعبين، كأن كانت بالخف الواحد خروق يظهر منها بعض القدم، فإن كانت تلك الخروق مقدار ثلاث أصابع من أصغر أصابع الرجل، فإن ذلك لا يضر، فيصح المسح عليه مع هذه الخروق، وإن كانت أكثر من ذلك فإنها تضر، وتمنع صحة المسح، فإن كانت الخروق متفرقة في الخفين فإنه لا يجمع منها إلا ما كان في الخف الواحد، فإذا كان ما في الخف الواحد يساوي القدر المذكور، بطل المسح، أما إذا كان أقل، فإنه لا يضر، حتى ولو كان في الخف الآخر خروق قليلة، لو جمعت مع الخروق الأخرى تبلغ هذا المقدار.
وأما المسح على الجوربين فإن كانا مجلدين أو منعلين يجزيه بلا خلاف، وإن كانا ثخينين لا يجوز عند أبي حنيفة، ويجوز عند أبي يوسف ومحمد، وروي عن أبي حنيفة أنه رجع إلى قولهما في آخر عمره وذلك أنه مسح على جوربيه في مرضه.
وانظر "بدائع الصنائع" 1/ 10، و"المبسوط" 1/ 289، و"تبيين الحقائق" 1/ 52، و"البحر الرائق" 1/ 192، و"الهداية" مطبوع مع نصب الراية 1/269، و"شرح معاني الآثار" 1/ 98، و"الفقه على المذاهب الأربعة" 1/ 127.
وأما الإمام مالك فإنه لا يرى المسح على الخف إذا قطع أسفل من الكعب، فضلاً أن يرى المسح على النعلين، جاء في "المدونة" 1/ 143:
"قال مالك في الخفين يقطعهما أسفل من الكعبين المحرم وغيره لا يمسح عليهما، من أجل أن بعض مواضع الوضوء قد ظهر".
فيشترط الإمام مالك في الممسوح أن يكون ساترا لمحل الفرض.
وأما المذهب الشافعي ففي "كفاية النبيه في شرح التنبيه" 1/ 357 أنهم اشترطوا أن يكون الخف ساترا للقدمين، قال: "وطريق الاستدلال منها – يعني الآية - ما تقدم.
ولأن ظهور إحدى القدمين مانع من جواز المسح على الأخرى، تغليبا لحكم الغسل، فكان ظهور بعض الرجل بالمنع من مسح الباقي منها أولى، ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما ترى منه القدم في موضع الخياطة، أو غيره، والمراد بالقدم: ما يجب غسله من الرجل...".
وقال الشيرازي في "المهذب" 1/ 499 – مع شرحه: "وإن لبس جوربا جاز المسح عليه بشرطين أحدهما أن يكون صفيقا لا يشف والثاني أن يكون منعلا فإن اختل أحد الشرطين لم يجز المسح عليه".
قال النووي: "ونص الشافعي رضي الله عنه عليها في "الأم" كما قاله المصنف – يعني الشيرازي - وهو أنه يجوز المسح على الجورب بشرط أن يكون صفيقا منعلا وهكذا قطع به جماعة منهم الشيخ أبو حامد والمحاملي، وابن الصباغ والمتولي وغيرهم، ونقل المزني أنه لا يمسح على الجوربين إلا أن يكونا مجلدي القدمين، وقال القاضي أبو الطيب: لا يجوز المسح على الجورب إلا أن يكون ساترا لمحل الفرض ويمكن متابعة المشي عليه.
 قال: وما نقله المزني من قوله إلا أن يكونا مجلدي القدمين ليس بشرط، وإنما ذكره الشافعي رضي الله عنه لأن الغالب أن الجورب لا يمكن متابعة المشي عليه إلا إذا كان مجلد القدمين هذا كلام القاضي أبي الطيب، وذكر جماعات من المحققين مثله ونقل صاحبا "الحاوي" و"البحر" وغيرهما وجها أنه لا يجوز المسح وإن كان صفيقا يمكن متابعة المشي عليه حتى يكون مجلد القدمين، والصحيح بل الصواب ما ذكره القاضي أبو الطيب والقفال وجماعات من المحققين أنه إن أمكن متابعة المشي عليه جاز كيف كان، وإلا فلا، وهكذا نقله الفوراني في "الإبانة" عن الأصحاب أجمعين فقال: قال أصحابنا: إن أمكن متابعة المشي على الجوربين جاز المسح عليهما وإلا فلا".
وأما نصوص إمام السنة المبجل أحمد بن حنبل وأصحابه فهي أكثر من أن تحصى وسنأتي عليها إن شاء الله تعالى بعد قليل.
وقال الإمام البخاري في "صحيحه":
 (باب غسل الرجلين في النعلين، ولا يمسح على النعلين)
ثم ذكر تحته حديث ابن عمر (166)، وفيه أنه قال:
 "رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يلبس النعل التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها".
قال الحافظ في "الفتح" 1/ 268:
"ليس في الحديث الذي ذكره تصريح بذلك، وإنما هو مأخوذ من قوله (يتوضأ فيها) لأن الأصل في الوضوء هو الغسل، ولأن قوله (فيها) يدل على الغسل، ولو أريد المسح لقال: عليها.
 قوله (ولا يمسح على النعلين) أي: لا يكتفى بالمسح عليهما كما في الخفين وأشار بذلك إلى ما روي عن علي وغيره من الصحابة بأنهم مسحوا على نعالهم في الوضوء ثم صلوا، ورُوي في ذلك حديث مرفوع أخرجه أبو داود وغيره من حديث المغيرة بن شعبة [
[1]] لكن ضعفه عبد الرحمن بن مهدي وغيره من الأئمة، واستدل الطحاوي على عدم الإجزاء بالإجماع على أن الخفين إذا تخرقا حتى تبدو القدمان أن المسح لا يجزئ عليهما، قال: فكذلك النعلان لأنهما لا يغيبان القدمين".
وهذا إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى عندما سأله ابنه صالح كما في "مسائله" (578):
"ما تقول في حديث علي: "أنه مسح على نعليه ثم خلعهما، وأم القوم، ولم يحدث وضوءًا" [[2]]، ما معناه؟
قال: يُروى هذا عن علي.
قلت: فإن فعل هذا رجل؟
قال: ما يعجبني يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ويل للأعقاب من النار". فإن كان أتى المسح على الأعقاب وغسل الرجلين فلا بأس".
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في "المسائل" (129):
" سألت أبي عن الرجل يمسح على نعليه؟ فكرهه، وقال: لا".
والأئمة يطلقون لفظ الكراهة ومرادهم التحريم، قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" 1/ 32:
"وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك، حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم، وأطلقوا لفظ الكراهة، فنفي المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة، ثم سهل عليهم لفظ الكراهة وخفت مؤنته عليهم فحمله بعضهم على التنزيه، وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى، وهذا كثير جدا في تصرفاتهم، فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة، وقد قال الإمام أحمد في الجمع بين الأختين بملك اليمين: أكرهه، ولا أقول هو حرام، ومذهبه تحريمه، وإنما تورع عن إطلاق لفظ التحريم لأجل قول عثمان.
وقال أبو القاسم الخرقي فيما نقله عن أبي عبد الله: ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة، ومذهبه أنه لا يجوز، وقال في رواية أبي داود:
ويستحب ألا يدخل الحمام إلا بمئزر له، وهذا استحباب وجوب، وقال في رواية إسحاق بن منصور: إذا كان أكثر مال الرجل حراما فلا يعجبني أن يؤكل ماله، وهذا على سبيل التحريم.
وقال في رواية ابنه عبد الله: لا يعجبني أكل ما ذبح للزهرة ولا الكواكب ولا الكنيسة، وكل شيء ذبح لغير الله، قال الله عز وجل: ﴿حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به﴾.
أطلق الإمام أحمد لفظ الكراهة على ما هو حرام عنده، فتأمل كيف قال:
 "لا يعجبني" فيما نص الله سبحانه على تحريمه، واحتج هو أيضا بتحريم الله له في كتابه، وقال في رواية الأثرم:
أكره لحوم الجلالة وألبانها، وقد صرح بالتحريم في رواية حنبل وغيره، وقال في رواية ابنه عبد الله: أكره أكل لحم الحية والعقرب، لأن الحية لها ناب والعقرب لها حمة ولا يختلف مذهبه في تحريمه، وقال في رواية حرب: إذا صاد الكلب من غير أن يرسل فلا يعجبني، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أرسلت كلبك وسميت" فقد أطلق لفظة "لا يعجبني" على ما هو حرام عنده".
ثم ساق أقوالا عن باقي الأئمة أنهم يطلقون لفظ الكراهة ومرادهم التحريم...".

وقال عبد الله بن الإمام أحمد: "سألت أبي عن المسح على النعلين؟ فقال: إذا كان في القدم جوربين قد ثبتا في القدم فلا بأس بالمسح على النعلين".
"مسائل عبد الله" (130).
وقال ابن هانئ: "سألت أبا عبد اللَّه عن الرجل يكون في رجله الجورب بلا نعل، أيمسح عليه؟
قال: نعم، إذا كان لا يسترخي مسح عليه، وعلى النعل، إذا كان عليها جورب، فإذا خلع النعل أو الجورب أحدهما، خلع الوضوء".
"مسائل ابن هانئ" (86).
وقال ابن هانئ: "وسمعته يقول: لا يمسح على النعلين إلا أن يكونا في جوربين".
"مسائل ابن هانئ" (93).
وإن المسح على النعلين ليس من أمر الله تعالى ولا من أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد أمر الله تعالى بغسل الرجلين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 6]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي:
" إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله...الحديث".
وفي رواية "إنها لم تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عزّ وجلّ، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين".
وهو حديث صحيح، أخرجه أبو داود (858)، والنسائي (1136) وغيرهما، وقد استوفيت تخريجه في كتابي "طرق حديث المسيء صلاته" (ص 10).
وقد وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن زيد، وأبو هريرة، وأنس بن مالك، وأبو مالك الأشعري، وأبو بكرة، ووائل بن حجر، وأبو جبير الكندي، والمقدام بن معدي كرب، والربيع بنت معوذ ابن عفراء، وعبد الله بن عباس، والبراء بن عازب، وعبد الله بن عمرو، وأبو رافع، وابن أبي أوفى رضي الله عنهم ليس في حديث واحد منهم المسح على النعلين بل اتفقوا على أنه صلى الله عليه وسلم غسل رجليه، وانظر تخريج حديثهم مفصلا في كتابي "أحاديث الأحكام رواية ودراية" (34)، وسأذكر مختصرًا لحديث كل واحد منهم في هذه العجالة:
حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه "ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين".
متفق عليه.
وأما حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ففيه "ثم غسل رجله اليمنى ثلاثا ورجله الشمال ثلاثا".
حديث صحيح - أخرجه أبو داود (111) و (112) و (113)، والنسائي (91) و (92) و (93) و (94)، وابن أبي شيبة 1/ 8 من طريق عبد خير، عن علي به.
وأما حديث عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه، ففيه "ثم غسل رجليه إلى الكعبين" متفق عليه.
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه ففيه "ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق".
أخرجه مسلم (246 - 34)، وغيره.
وأما حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ففيه "وغسل رجليه إلى الكعبين".
أخرجه البزار (270) - كشف، والدولابي في "الأسماء والكنى" 2/ 510، والدارقطني 1/ 188، والضياء في "المختارة" (1866) و (1867).
وأما حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه ففيه "وغسل قدميه".
أخرجه أحمد 5/ 341 و 342، وعبد الرزاق (2499) وغيرهما.
وأما حديث أبي بكرة رضي الله عنه ففيه "ثم غسل رجليه ثلاثا، وخلل بين أصابع رجله".
أخرجه البزار (3687).
وأما حديث وائل بن حجر رضي الله عنه ففيه "ثم غسل بيمينه قدمه اليمنى ثلاثا وفصل بين أصابعه، أو قال: خلل بين أصابعه ورفع الماء حتى جاز الكعب، ثم رفعه في الساق، ثم فعل باليسرى مثل ذلك".
أخرجه البزار (4488).
وأما حديث أبي جبير الكندي رضي الله عنه ففيه "وغسل رجليه".
أخرجه ابن حبان (1089)، وغيره.
وأما حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه ففيه "وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا".
أخرجه ابن ماجه (457)، وأحمد 4/ 132، وغيرهما.
وأما حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها ففيه "وغسل رجليه ثلاثا".
أخرجه أحمد 6/ 358 و 359، وأبو داود (126)، وغيرهما.
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنه ففيه "ثم أخذ غرفة من ماء، فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى، فغسل بها رجله، يعني اليسرى".
أخرجه البخاري (140).
وأما حديث البراء رضي الله عنه ففيه "وغسل هذه الرجل، يعني اليمنى، ثلاثا، وغسل هذه الرجل ثلاثا، يعني اليسرى".
أخرجه أحمد 4/ 288، وغيره.
وأما حديث ابن عمرو رضي الله عنه ففيه "ثم غسل رجليه ثلاثا ثلاثا".
أخرجه أبو داود (135)، وغيره.
وأما حديث أبي رافع رضي الله عنه ففيه "وغسل رجليه ثلاثا".
أخرجه الروياني في "مسنده" (727)، والطبراني في "الأوسط" (907).
وأما حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه ففيه "وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا".
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4133).
فهذا ما نقله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُألوا أرونا كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيصفوا وضوءه، وأنه غسل رجليه، فإذا كانتا في الخفين وصفوا مسحه عليهما، فلو مسح يومًا على نعليه لنقله الصحب الكرام كما تواتر نقلهم لغسله رجليه والمسح على الخفين، فإذ لم يُنقل بنص صريح صحيح عرفنا عدم مشروعيته، بل قد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من ترك أعقابهم بلا غسل، فقال "ويل للأعقاب من النار" متفق عليه.
وإن ترك العقبين بلا غسل من لوازم المسح على النعلين، فرأيت لزامًا عليّ نصحًا للأمة بيان ما جاء في هذه الرسالة من الوهم والإيهام، وكنت أتردد في ذلك لجلالة الشيخ أحمد شاكر، والعلّامة الألباني إذ هما من أخرجا هذه الرسالة بعد اندثارها، فقد قال الشيخ أحمد شاكر في تقديمه لهذه الرسالة:
"وقد رغب صديقنا السيد الحبيب السلفي الكبير محمد نصيف حفظه الله أن يعيد طبعها بعد أن صارت نادرة الوجود، وكثر الحرص على اقتنائها، رغبة في إذاعة الفائدة منها ... الخ".
وقام الشيخ العلّامة الألباني بالتعليق عليها، فرحم الله الجميع، وأسأله سبحانه أن يفرّج عنا ما أهمنا وأغمنا وأن ينفع إخواننا طلبة العلم خاصة والمسلمين عامة بما جاء من البيان في هذا الرد، والله الموفق.

أحاديث المسح على النعلين غير صالحة للاحتجاج


قال القاسمي (ص 43): "إنه صلوات الله عليه مسح على الجوربين وعلى النعلين كلا على انفراده وأيده في النعلين أحاديث كثيرة مخرجة في دواوين السنة".

قلت: هذا الإطلاق فيه نظر وسيأتي بيانه في الرد على ما يستدل به في جواز المسح على النعلين، كل فقرة على حدة، والذي يهمني من هذا هو استدلاله بأحاديث غير صالحة للاحتجاج بها على جواز المسح على النعلين، وأما المسح على الجوربين فهو مشروع، فإن أحاديث المسح على الخفين متواترة، والخف: هو كل ساترٍ محل فرض الغسل يكون على الرجل تمكن متابعة المشي عليه، وهو الذي تتعلق به الرخصة، وأشار صاحب "العين" إلى أنه سمي خفًا، لأنه يتخففه الإنسان، والخف لا يقتصر على ما كان من الجلد فقط، فهو أيضا يكون من الصوف، هكذا قال صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك رضي الله عنه، فعن الأزرق بن قيس قال:
"رأيت أنس بن مالك أحدث فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه، ومسح على جوربين من صوف فقلت: أتمسح عليهما؟ فقال: إنهما خفان ولكنهما من صوف".
أخرجه أبو بشر الدولابي في "الكنى والأسماء" (1009) أخبرني أحمد بن شعيب، عن عمرو بن علي قال: أخبرني سهل بن زياد أبو زياد الطحان قال: حدثنا الأزرق بن قيس به.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات سوى سهل بن زياد الطحان: وهو صدوق، روى عنه عمرو بن علي الفلاس، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وبشر ابن يوسف، وأحمد بن حنبل، ونعيم بن حماد، وعبيد الله بن يوسف الجبيري، وحفص الربالي، وذكره البخاري في "التاريخ الكبير" 4/ 102-103، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 4/ 197، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في "الثقات" 8/ 291، وقال الإمام أحمد كما في "الكنى" 2/ 560 للدولابي:
 "أبو زياد الطحان لا أعلم إلا خيرا".
وقال أبو يعلى في "مسنده" 12/ 504:
 "سهل بن زياد الحربي بصري ثقة".
وقال البزار في "مسنده" 17/ 219:
"سهل بن زياد وهو رجل بصري حدث عنه غير واحد من أهل البصرة ليس به بأس".
وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" 4/ 1123: "صدوق، قال أبو حاتم: تكلم فيه، وما رأينا إلا خيرا!".
قلت: قول أبي حاتم هذا قالهُ في سهل بن زياد القطان الباهلي الرازي، وترجمته تأتي في "الجرح والتعديل" تحت ترجمة سهل بن زياد الطحان مباشرة، وهو كذلك أيضا في ترجمة القطان من "الميزان" 2/ 238، فهو انتقال نظر من الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى، وقال في "الميزان" 2/ 237:
"ما ضعفوه، له ترجمة في تاريخ الإسلام".
وقال الحافظ في "اللسان" 3/ 118:
 "وفي ثقات ابن حبان سهل بن زياد من أهل البصرة يروي عن داود بن أبي هند، وعنه بشر بن يوسف فالظاهر أنه هو وقال الأزدي: سهل بن زياد الطحان أبو زياد عن سليمان التيمي وطبقته منكر الحديث".
 قلت: تفرّد أبو الفتح الأزدي بهذا، والأزدي نفسه متكلم فيه، قال الذهبي في "الميزان" 1/ 5:
"وأبو الفتح يسرف في الجرح، وله مصنف كبير إلى الغاية في المجروحين، جمع فأوعى، وجرح خلقا بنفسه لم يسبقه أحد إلى التكلم فيهم، وهو المتكلم فيه".
 وقال في "ديوان الضعفاء" (3672):
 "كان صاحب مناكير وغرائب، ضعفه البرقاني".
 وقال في ترجمته من "السير" 16/ 348:
"ضعف جماعة بلا دليل، بل قد يكون غيره قد وثقهم".
 وقال في "السير" أيضا 13/ 389: - بعد نقله تضعيف الأزدي للحارث ابن محمد بن أبي أسامة الحافظ مسند العراق صاحب المسند -: "هذه مجازفة، ليت الأزدي عَرَف ضعف نفسِه".
 وقال في "تذكرة الحفاظ" 3/ 967: "له مصنف كبير في الضعفاء، وهو قوي النفس في الجرح، وهّى جماعةً بلا مستند طائل".
قال الشيخ أحمد شاكر:
"ولم يأتِ دليلٌ من الشارع يدلُّ على حصر الخفاف في التي تكون من الجلد فقط، وقول أنس في هذا أقوى حُجَّةً ألفَ مرّةٍ من أن يقول مثله مؤلّف من مؤلّفي اللغة، كالخليل والأزهري والجوهري وابن سيده وأضرابهم، لأنهم ناقلون للُّغة، وأكثر نقلهم يكون من غير إسناد، ومع ذلك يحتج بهم العلماء، فأولى ثم أولى إذا جاء التفسير اللغوي من مصدر أصلي من مصادر اللغة، وهو الصحابي العربي من الصدر الأول، بإسنادٍ صحيحٍ إليه، وقد أشار الإمام ابن القيم إلى مثل هذا المعنى وإن لم يكن صريحًا تمامًا فيما نقلناه عنه آنفًا، من قوله: "وإنما عمدته هؤلاء الصحابة وصريح القياس، فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرقٌ مؤثر يصحُّ أن يُحالَ الحكم عليه"، فجعل ابن القيم أن الجوربين مقيسان على الخفين قياسًا جَلِيًّا، من غير فرق مؤثر يصح أن يحال الحكم عليه، ولكن المعنى في حديث أنس أدقّ، فليس الأمر قياسًا للجوربين على الخفين، بل هو:
أن الجوربين داخلان في مدلول كلمة الخفين بدلالة الوضع اللغوي للألفاظ على المعاني، والخفان ليس المسح عليهما موضع خلاف، فالجوربان من مدلول كلمة الخفين، فيدخلان فيهما بالدلالة الوضعية اللغوية، وقد ثبت من غير وجه عن أنس أنه مسح على الجوربين، فهو يؤيد رواية الدولابي التي ذكرنا، وانظر "المحلّى" لابن حزم بتحقيقنا (ج 2/ ص 84 - 85)، والحمد لله رب العالمين".


استدلاله بحديث ضعيف جعله أربعة أحاديث!!


1 – قال القاسمي (ص 43): "1- روى الإمام أبو داود في "سننه" عن أوس ابن أبي أوس الثقفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه وقدميه.
2 - وأخرج الإمام أحمد في سننه عن أوس بن أبي أوس قال: رأيت أبي يوما توضأ فمسح على النعلين فقلت له: أتمسح عليهما؟ فقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.
3 - وأخرج الإمام أحمد أيضا عن أوس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه ثم قام إلى الصلاة.
4 - وأخرج الإمام ابن جرير الطبري في "تفسيره" عن أوس أيضا قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فتوضأ ومسح على قدميه (أي: على نعليه فيهما ليوافق روايته السالفة)".

قلت: هذه الأحاديث حديث واحد جعله القاسمي عدة أحاديث!، وهذا الحديث مداره على يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن أوس بن أبي أوس، ووقع فيه اضطراب في إسناده ومتنه، ووالد يعلى بن عطاء العامري مجهول، فهو حديث ضعيف لا يجوز الاحتجاج بمثله، ودونك بيان حاله:
أخرجه أبو داود (160)، ومن طريقه البيهقي 1/ 286 حدثنا مسدد، وعباد بن موسى، قالا: حدثنا هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه - قال عباد - قال: أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على نعليه وقدميه"، وقال عباد: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى كظامة قوم - يعني الميضأة - ولم يذكر مسدد الميضأة والكظامة ثم اتفقا "فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه".
وأخرجه أحمد 4/ 8، ومن طريقه المزي في "تهذيب الكمال" 20/ 134، والمحاملي في "أماليه" (332) حدثنا يعقوب بن إبراهيم، كلاهما (أحمد بن حنبل، ويعقوب بن إبراهيم) عن هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن أوس بن أوس الثقفي، قال:
 "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى كظامة قوم فتوضأ".
وأخرجه أبو عبيد في "الطهور" (388)، والطبراني 1/ (603) من طريق عثمان بن أبي شيبة، وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (124)، والحازمي في "الاعتبار" (ص 61) من طريق سعيد بن منصور، ثلاثتُهم (أبو عبيد، وعثمان بن أبي شيبة، وسعيد بن منصور) عن هشيم، عن يعلى بن عطاء بإسناده بالمسح على القدمين فقط، وصرّح هشيم بالتحديث في "الطهور"، و"الاعتبار".
وقال هشيم: "كان هذا في مبدأ الإسلام".
وأخرجه الحربي في "غريب الحديث" 2/ 1212 عن شجاع بن مخلد الفلاس، عن هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن أوس بن شداد بن أوس:
"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى كظامة قوم فتوضأ منها".
هكذا جاء عند الحربي اسم صحابيّ الحديث أوس بن شداد بن أوس!
وأخرجه أحمد 4/ 8، ومن طريقه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 1/ 309، والطبراني 1/ (607) و (608)، والحازمي في "الاعتبار" (ص 61) [[3]] من طريق شعبة، عن يعلى بن عطاء [[4]]، عن أبيه، عن أوس بن أوس قال:
 "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه، وقام إلى الصلاة".
وإسناده ضعيف، عطاء العامري والد يعلى مجهول، تفرد بالرواية عنه ابنه يعلى، قال ابن القطان في "الوهم والإيهام" 4/ 120:
 "مجهول الحال لا تعرف له رواية إلا هذه، وأخرى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ولا يعرف روى عنه غير ابنه يعلى".
وقال الذهبي في "الميزان" 3/ 78:
"لا يعرف إلا بابنه".
وأخرجه الطبراني 1/ (609) من طريق وكيع، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن ابن أبي أوس، عن جده:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في نعليه".
فسقط من إسناده والد يعلى، وزِيد فيه جد ابن أبي أوس، وليس فيه ذكر المسح لا على الرجلين ولا على النعلين!
وأخرجه أحمد 4/ 9، والطيالسي (1209)، والدولابي في "الكنى" 1/ 42، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 96، وابن حبان (1339)، والطبراني 1/ (605)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 29، والبيهقي 1/ 287 عن حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن أوس الثقفي:
 "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه".
 وقال البيهقي:
"وهو منقطع".
قلت: يعلى بن عطاء لم يدرك أوس بن أبي أوس، بينهما والده عطاء العامري.
وأخرجه أحمد 4/ 10 عن الفضل بن دكين، وابن أبي شيبة 1/ 190، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 97 من طريق محمد بن سعيد، ثلاثتهم (الفضل بن دكين، وابن أبي شيبة، ومحمد بن سعيد الكوفي) عن شريك، عن يعلى بن عطاء، عن أوس بن أبي أوس، قال:
"كنت مع أبي على ماء من مياه العرب، فتوضأ ومسح على نعليه، فقيل له، فقال: ما أزيدك على ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع".

وأخرجه أحمد 4/ 9 عن وكيع، وابن أبي شيبة 14/ 234، ومن طريقه الطبراني 1/ (606) كلاهما (وكيع، وابن أبي شيبة) عن شريك، عن يعلى ابن عطاء، عن أوس بن أبي أوس، عن أبيه به.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده" كما في "نصب الراية" 1/ 171،
و" الدراية في تخريج أحاديث الهداية" 1/ 75 حدثنا شريك، بإسناده بالمسح على الخفين فقط.
وقال الحازمي في "الاعتبار" (ص 62):
"أما الأحاديث الواردة في غسل الرجلين كثيرة جدا مع صحتها، ولا يعارضها مثل حديث يعلى بن عطاء لما فيه من التزلزل، لأن بعضهم رواه عن يعلى، عن أوس، ولم يقل عن أبيه.
وقال بعضهم: عن رجل، ومع هذا الاضطراب لا يمكن المصير إليه، ولو ثبت كان منسوخا، كما قاله هشيم".

تدليس لفظة من حديث تميم المازني تحيله عن معناه


2 - قال القاسمي (ص 44): "وأخرج الطبراني عن عباد بن تميم عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويمسح على رجليه".

قلت: هذا والله عجب منه، كيف استجاز لنفسه حذف لفظة من الحديث تحيل معناه؟!، والأعجب منه أقره على هذا الخطأ كلٌ من الشيخ أحمد شاكر، والعلّامة الألباني، وأما الإتيوبي فقد أخذ هذه الرسالة كاملة بكل ما فيها فوضعها في "ذخيرته" 3/ 196!، وإن لفظ الحديث: "يمسح بالماء على رجليه"، وهذا لقلة الماء، فمعناه أنه يغسل بالماء غسلا خفيفا، فإنه صلى الله عليه وسلم "أتي بثلثي مد ماء فتوضأ، فجعل يدلك ذراعيه"، وهو حديث عبد الله ابن زيد بن عاصم في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وما ذكره القاسمي أخرجه أحمد 4/ 40، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2192)، وابن خزيمة (201)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 115، والطبراني في "الأوسط" (9332) عن عبد الله بن يزيد أبي عبد الرحمن المقرئ، قال: حدثنا سعيد ابن أبي أيوب، قال: حدثني أبو الأسود، عن عباد بن تميم المازني، عن أبيه أنه قال:
"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويمسح بالماء على رجليه".
وقال الطبراني:
"لا يروى هذا الحديث عن تميم المازني إلا بهذا الإسناد، تفرد به سعيد بن أبي أيوب".
وأخرجه الطبراني في "الكبير" 2/ (1286)، وعنه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 1/ 452 بنفس الإسناد الذي في "المعجم الأوسط" لكن زاد في متنه "ومسح بالماء على لحيته ورجليه"، والراوي عن أبي عبد الرحمن المقرئ: شيخ الطبراني واسمه هارون بن ملول، وقد وقع مصغّرًا في معجم ابن شاهين، فإنه قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن جامع العسكري، حدثنا هارون بن عيسى بن مُليَّل.
وعيسى هو ملُّول، كان يلقّب به. قاله الحافظ في "تبصير المنتبه" 4/ 1317.
قال الخطيب في "غنية الملتمس" (ص 413):
"هارون بن عيسى بن يحيى، أبو محمد التجيبي، المصري، كان أبوه يعرف بملول، حدث عن: حفص بن عمر العدني، وأبي عبد الرحمن المقرئ،
 وعبد الله بن عبد الحكم، وغيرهم.
روى عنه: ابنه علي، وأبو القاسم الطبراني، وكافة المصريين".
وقال ابن الجوزي في "المنتظم" 12/ 397:
"كان من عقلاء الناس ثقة في الحديث".
وأخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 35 من طريق عمرو بن خالد، وابن شاهين في "ناسخ الحديث ومنسوخه" (ص 120) من طريق
 عبد الغفار بن داود، كلاهما عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عباد بن تميم، عن عمه:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح القدمين، وأن عروة كان يفعل ذلك".
وابن لهيعة: سيء الحفظ.
وأخرجه الطيالسي (1195)، وعنه أحمد 4/ 39، وابن حبان (1082) من طريق يحيى بن سعيد، والروياني في "مسنده" (1009)، وابن خزيمة (118)، وابن حبان (1083)، والحاكم 1/ 144 و161 - 162، والبيهقي 1/ 196 من طريق ابن أبي زائدة، والبيهقي أيضا 1/ 196 من طريق أبي خالد الأحمر، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 32 خمستُهم (الطيالسي، ويحيى بن سعيد، وابن أبي زائدة، وأبو خالد الأحمر، ومعاذ بن معاذ) عن شعبة، قال: حدثنا حبيب بن زيد الأنصاري، قال: سمعت عباد ابن تميم، يحدث عن عبد الله بن زيد، قال:
"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فدلك ذراعيه".
وفي رواية ابن أبي زائدة " أتي بثلثي مد ماء فتوضأ، فجعل يدلك ذراعيه".
وفي رواية أبي خالد الأحمر " توضأ بنحو من ثلثي المد".
ولفظ الطحاوي "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بوضوء، فدلك أذنيه حين مسحهما".
وقال الحاكم:
"صحيح على شرط الشيخين".
وقال في موضع آخر: "حديث صحيح على شرط مسلم، فقد احتج بحبيب ابن زيد، ولم يخرجاه" وأقره الذهبي.
قلت: لم يخرج الشيخان لحبيب بن زيد شيئا.
وأخرجه أبو داود (94)، ومن طريقه البيهقي 1/ 196، والنسائي (74)، وفي "الكبرى" (76) عن محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن حبيب الأنصاري قال سمعت عباد بن تميم، عن جدتي وهي أم عمارة:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأتي بإناء فيه ماء قدر ثلثي المد".
وقال النسائي:
 "قال شعبة: فأحفظ أنه غسل ذراعيه، وجعل يدلكهما، ويمسح أذنيه باطنهما ولا أحفظ أنه مسح ظاهرهما".
وقال البيهقي:
"هكذا رواه محمد بن جعفر غندر عن شعبة وخالفه غيره في إسناده".
وقال: "قال أبو زرعة الرازي: الصحيح عندي حديث غندر".
وقد استوفيت تخريج هذا الحديث في كتابي "أحاديث الأحكام رواية ودراية" رقم (34)، والخلاصة أن معنى قوله (يمسح بالماء على رجليه) أي: يغسل به غسلا خفيفا، وقد جاء الوعيد على ترك إسباغ الوضوء، وسيأتي تخريجه في آخر هذا البحث، وأن استيعاب الرجلين بالغسل واجب، وقد يأت المسح في كلام العرب بمعنى الغسل.
قال الخطابي في "معالم السنن" 1/ 50:
"أخبرني الأزهري حدثنا أبو بكر بن عثمان، عن أبي حازم، عن أبي زيد الأنصاري قال: المسح في كلام العرب يكون غسلا ويكون مسحا، ومنه يقال للرجل إذا توضأ فغسل أعضاءه قد تمسح، ويقال مسح الله ما بك أي: أذهبه عنك وطهرك من الذنوب".


المسح في حديث ابن عمر على ظهور القدمين معناه المسح على الجوربين


3 - قال القاسمي (ص 44): "وروى البزار بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يتوضأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما ويقول: كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل (أورده الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الهداية) وقال السيوطي في التدريب: صحح أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك ابن القطان صاحب كتاب (الوهم والإيهام) حديث ابن عمر هذا المخرج في مسند البزار".

قلت: جاء التصريح في رواية الطحاوي أن المسح على ظهور القدمين وليس على النعلين، فيفهم من الحديث أن المسح على نعلين تحتهما جوربان، ودونك بيانه، فحديث ابن عمر "أنه كان يتوضأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما ويقول: كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل".
أخرجه البزار (5918) من طريق روح بن عبادة، عن ابن أبي ذئب، عن نافع به.
وقال البزار:
"وهذا الحديث لا نعلم رواه عن نافع إلا ابن أبي ذئب، ولا نعلم رواه عنه إلا روح، وإنما كان يمسح عليهما لأنه توضأ من غير حدث، وكان يتوضأ لكل صلاة من غير حدث فهذا معناه عندنا".
ورجاله ثقات، رجال الشيخين، وليس كما قال البزار، فلم يتفرّد به روح، فقد تابعه محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك:
أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 35 و97 من طريق أحمد بن الحسين اللهبي، قال: حدثنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن نافع:
"أن ابن عمر، كان إذا توضأ ونعلاه في قدميه، مسح على ظهور قدميه بيديه ويقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هكذا".
وإسناده ثقات، أحمد بن الحسين اللهبي أبو الفضل المدني القرشي: قال الحافظ الجارودي: "أحمد بن الحسين اللهبي الثقة المأمون" كما في "مغاني الأخيار" 1/ 28 للعيني.
فهذا اختلاف في لفظ الحديث على ابن أبي ذئب، ففي رواية روح بن عبادة عنه "كان يتوضأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما"، وفي رواية ابن أبي فديك عنه "مسح على ظهور قدميه بيديه"، فصرّح هنا أن المسح على ظهور القدمين وليس على النعلين، فتكون رواية ابن أبي فديك أوضح من رواية روح بن عبادة، وأن المسح على نعلين تحتهما جوربان.

بيان شذوذ لفظة (يمسح عليها) أي: النعال السبتية، وأنه محفوظ بلفظ "يتوضأ فيها"


4- قال القاسمي (ص 45): "وروى البيهقي بإسناد جيد عن ابن عمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها (يعني النعال السبتية) ويتوضأ فيها ويمسح عليها. نقله الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الهداية.
وروى الشيخان البخاري ومسلم عن عبيد بن جريج عن عبد الله بن عمر أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال السبتية التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأحب أن ألبسها.
 ومعنى قوله: يتوضأ فيها أنه يمسح عليها كما أوضحته رواية البزار والبيهقي قبل، والروايات يفسر بعضها بعضا، وأما قول البخاري: معناه غسل الرجلين في النعلين فرده الحافظ الإسماعيلي كما نقله العيني وذلك لمخالفته لما روي عن ابن عمر نفسه".

قلت: كلام القاسمي يوهم أن إسناد البيهقي غير إسناد الشيخين، وأن الحديثين متغايران، وفي الحقيقة هما حديث واحد، أخرجه ابن خزيمة (199)، ومن طريقه البيهقي 1/ 287 حدثنا عبد الجبار بن العلاء، حدثنا سفيان، حدثنا محمد بن عجلان، عن سعيد، عن عبيد بن جريج قال: قيل لابن عمر:
رأيناك تفعل شيئا لم نر أحدا يفعله غيرك، قال: وما هو؟ قال: رأيناك تلبس هذه النعال السبتية، قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويتوضأ فيها، ويمسح عليها".
وقال البيهقي:
"وهذه الزيادة إن كانت محفوظة فلا تنافي غسلهما، فقد يغسلهما في النعل ويمسح عليهما كما مسح بناصيته وعلى عمامته والله أعلم".
قلت: هي زيادة شاذة، وهذا الحديث محفوظ ليس فيه "ويمسح عليها"، فله طريقان آخران عن سفيان بن عيينة، عن ابن عجلان، وتابع ابن عجلان في عدم ذكرها، عبيد الله بن عمر، ومالك بن أنس، وعبد الملك بن جريج، وعبد الله بن عمر، وإسماعيل بن أمية، أما المحفوظ عن ابن عجلان هو ما أخرجه الحميدي (666)، والفاكهي في "أخبار مكة" (99) حدثنا محمد ابن أبي عمر، كلاهما (الحميدي، ومحمد بن أبي عمر) عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري بإسناده، بلفظ "وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فيها ويلبسها".
 وأما الطرق الأخرى عن سعيد المقبري، فقد أخرجه البخاري (166) و (5851)، ومسلم (1187-25)، وأبو داود (1772)، والترمذي في "الشمائل" (74)، والنسائي (117) و (2760) و (2950)، وأحمد 2/ 66 و110، والشافعي في "السنن المأثورة" (503)، وعبد الرزاق (787)، والطحاوي في "شرح المعاني" 2/ 184، وأبو عوانة (3690)، والطبراني 12/ (13314)، وابن حبان (3763)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" (ص 136)، والبيهقي 1/ 287 و5/ 31، 76، وفي "المعرفة" (9828)، والبغوي (1870)، والمزي في "تهذيب الكمال" 19/ 194 من طريق مالك (وهو عنده في "الموطأ" 1/ 333) عن سعيد بن أبى سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج، أنه قال لعبد الله بن عمر:
"يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها؟ قال: ما هن؟ فذكرهن وقال فيهن: رأيتك تلبس النعال السبتية.
قال: أما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها".
وأخرجه عبد الرزاق (787)، ومن طريقه الطبراني 12/ (13314) مقرونا بمالك: عبد الله بن عمر، عن سعيد المقبري به.
وأخرجه أحمد 2/ 17-18، وأبو عوانة (3691)، والطبراني 12/ (13315) من طريق عبيد الله بن عمر العمري، حدثني سعيد بن أبي سعيد، عن جريج أو ابن جريج، عن ابن عمر، وفيه "أما لبسي هذه النعال السبتية: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبسها، يتوضأ فيها".
وأخرجه النسائي (117) و (2760) و (2950)، وفي "الكبرى" (117) و (3917) مقرونا بعبيد الله: مالك وابن جريج، به، ليس فيه شك في اسم عبيد بن جريج.
وأخرجه الطبراني 12/ (13314) من طريق إسماعيل بن أمية، عن سعيد المقبري به.
وله طرق أخرى عن عبيد بن جريج:
1 - أخرجه أبو بكر الشافعي في "الغيلانيات" (465) من طريق زيد بن أسلم، عن عبيد بن جريج به.
2 - أخرجه مسلم (1187-26)، والحربي في "غريب الحديث"
 3/ 1187، وأبو عوانة (3133) من طريق يزيد بن قسيط، عن عبيد بن جريج به.
3 - أخرجه الطرسوسي في "مسند ابن عمر" (6) من طريق عبد الله بن سعيد، عن عبيد بن جريج به.
الخلاصة: قد تقرّر أن قوله "يمسح عليها" زيادة شاذة، فلم يبقى إلا قوله "يتوضأ فيها"، فهل يُؤخذ من هذا أنه كان يمسح عليها كما قال القاسمي؟!، أم أنه كان يغسل رجليه في النعلين، وهو معنى قوله "كان يتوضأ فيها"، فإن قوله (فيها) يدل على الغسل ولو أريد المسح لقال (عليها) كما قال الحافظ في "الفتح" 1/ 268، والأحاديث يفسر بعضها بعضا، فقد جاء حديثان يبينان معنى قوله يتوضأ فيها:
الأول: من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
 أخرجه أبو داود (117)، ومن طريقه البيهقي 1/ 53، 54 من طريق محمد بن سلمة، والبزار (463) من طريق عبد الرحمن بن محمد المحاربي، وأحمد 1/ 82 - 83، والبزار (464)، وأبو يعلى (600)، وابن خزيمة (153)، وعنه ابن حبان (1080)، والبيهقي 1/ 74 عن إسماعيل بن إبراهيم، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 32 و 34 و 35 من طريق عبدة ابن سليمان، أربعتُهم (محمد بن سلمة، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، وابن علية، وعبدة بن سليمان) عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن عبيد الله الخولاني، عن ابن عباس قال: "دخل عليّ عليُ ابن أبي طالب، وقد أهراق الماء فدعا بوضوء، فأتيناه بتور فيه ماء، حتى وضعناه بين يديه، فقال: يا ابن عباس، ألا أريك كيف كان يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، قال: فأصغى الإناء على يده فغسلها، ثم أدخل يده اليمنى فأفرغ بها على الأخرى، ثم غسل كفيه، ثم تمضمض واستنثر، ثم أدخل يديه في الإناء جميعا، فأخذ بهما حفنة من ماء فضرب بها على وجهه، ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه، ثم الثانية، ثم الثالثة مثل ذلك، ثم أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء، فصبها على ناصيته فتركها تستن على وجهه، ثم غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثا ثلاثا، ثم مسح رأسه وظهور أذنيه، ثم أدخل يديه جميعا فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله، وفيها النعل ففتلها بها، ثم الأخرى مثل ذلك قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين، قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين، قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين" والسياق لأبي داود.
وإسناده حسن فقد صرّح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد، وأبي يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي.
قد يُقال إن قوله (أخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله، وفيها النعل ففتلها بها) هذا هو المسح عليها، فأقول: إن ابن عباس أخذ هذا الوضوء من علي بن أبي طالب، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ على هذه الصفة، وفيه توضيح ما قد يُستشكل من حديث علي، وهو الحديث الثاني، ولو كان هذا هو المسح فما معنى قوله "أخذ حفنة من ماء"؟!، فإن الذي يريد المسح على قدمه لا يحتاج حفنة من ماء، فيكفيه ما دونها، وأما حديث ابن عباس:
فأخرجه البخاري (140)، وأحمد 1/ 268، والبيهقي 1/ 53 من طريق سليمان بن بلال، والبخاري (157)، وأبو داود (138)، والترمذي (42)، والنسائي (80)، وفي "الكبرى" (85)، وابن ماجه (411)، وأحمد 1/ 233 و 365، وعبد الرزاق في "المصنف" (28)، وفي "الأمالي في آثار الصحابة" (115)، وأبو عبيد في "الطهور" (103)، وعبد بن حميد (702) - المنتخب، والدارمي (696) و (711)، وابن الجارود في "المنتقى" (69)، وابن المنذر في "الأوسط" (406)، وأبو بكر الباغندي في "الأمالي" (25)، والطحاوي 1/ 29، وابن حبان (1095)، والبيهقي
 1/ 80، والبغوي (226) من طرق عن سفيان الثوري، والترمذي (36)، والنسائي (102)، وفي "الكبرى" (106)، وابن ماجه (439)، وابن أبي شيبة 1/ 9 و 10 و 17 و 21 و 38، وأبو عبيد في "الطهور" (86)، وأبو يعلى (2486)، وابن المنذر في "الأوسط" (358) و (368) و (399) و (400)، وابن خزيمة (148)، وابن حبان (1078) و (1086)، والبيهقي 1/ 55 و 67 و 73 و 236 من طريق محمد بن عجلان، وأبو داود (137)، والطبراني 10/ (10759)، والبيهقي 1/ 58 و 72، وفي "المعرفة" (679) من طريق هشام بن سعد، والنسائي (101)، وفي "الكبرى" (93) و (170)، وابن ماجه (403)، وأبو عبيد في "الطهور" (105) و (294) و (351)، والدارمي (697)، وأبو يعلى (2670) و (2672)، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 32 و 35، وابن خزيمة (171)، وابن حبان (1076)، والبيهقي 1/ 50 و 72، وفي "المعرفة" (678) من طريق عبد العزيز الدراوردي، وأحمد 1/ 332،
وعبد الرزاق في "المصنف" (127)، وفي "الأمالي في آثار الصحابة" (115)، وابن الجارود في "المنتقى" (69)، والبيهقي 1/ 80 عن داود بن قيس، وأحمد 1/ 336، وعبد الرزاق في "المصنف" (126)، وفي "الأمالي في آثار الصحابة" (115)، وابن الجارود في "المنتقى" (69)، والبيهقي
 1/ 80 عن معمر، والطبراني في "المعجم الأوسط" (714) من طريق روح ابن القاسم، ثمانيتُهم (سليمان بن بلال، وسفيان الثوري، ومحمد بن عجلان، وهشام بن سعد، والدراوردي، وداود بن قيس، ومعمر، وروح بن القاسم) تامًا ومختصرًا عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس:
"أنه توضأ فغسل وجهه، أخذ غرفة من ماء، فمضمض بها واستنشق، ثم أخذ غرفة من ماء، فجعل بها هكذا، أضافها إلى يده الأخرى، فغسل بهما وجهه، ثم أخذ غرفة من ماء، فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة من ماء، فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه، ثم أخذ غرفة من ماء، فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى، فغسل بها رجله، يعني اليسرى، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ" واللفظ للبخاري.
وفي لفظ " ثم أخذ حفنة ماء فرش على قدميه وهو منتعل"، وقد جاء تفسيره عند البخاري وغيره بلفظ "ثم أخذ غرفة من ماء، فرش على رجله اليمنى حتى غسلها".
وفي رواية عند أبي داود (137) "ثم قبض قبضة أخرى من الماء فرش على رجله اليمنى، وفيها النعل، ثم مسحها بيديه يد فوق القدم ويد تحت النعل، ثم صنع باليسرى مثل ذلك".


استدلال القاسمي بلفظ شاذ في حديث علي رضي الله عنه


5 - قال القاسمي (ص 46): "وروى الدارمي في مسنده عن عبد خير قال: رأيت عليا توضأ ومسح على نعلين فوسع ثم قال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت لرأيت أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما".

قلت: أخرجه الدارمي (715) أخبرنا أبو نعيم، حدثنا يونس، عن أبي إسحاق، عن عبد خير به.
وقال الدارمي:
"هذا الحديث منسوخ بقوله تعالى ﴿وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين﴾ ".
قلت: الحديث بهذا اللفظ شاذ، وهو محفوظ عن عبد خير بغسل الرجلين، قال العلّامة الألباني:
"في إسناده عند الدارمي (1 / 181) أبو إسحاق وهو السبيعي وهو مدلس مع اختلاطه، وقد رواه عن عبد خير معنعنا، وخالفه خالد بن علقمة الهمداني - وهو ثقة - فرواه عن عبد خير بلفظ "غسل رجله اليمنى ثلاثا ورجله الشمال ثلاثا".
أخرجه أبو داود وغيره، إسناده صحيح وصححه ابن حبان (رقم 150 - موارد) وقد خرجته في (صحيح أبي داود)".
قلت: وقد أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائده" على "المسند" 1/ 127، وأبو يعلى (500) من طريق أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، قال: ذكر عبد خير، عن علي، مثل حديث أبي حية، وفيه:
"وغسل قدميه إلى الكعبين"، واختصره الترمذي (49) وقال: "حديث حسن صحيح"، والبزار (947)، وتابعه عبد الملك بن سلع:
أخرجه النسائي في "الكبرى" (161)، وعبد الله بن أحمد في "زوائده" على "المسند" 1/ 113 و 123 - 124 من طريق مسهر، وأحمد 1/ 110 حدثنا مروان، كلاهما عن عبد الملك بن سلع، عن عبد خير، قال:
"صلينا مع علي الفجر، فلما سلم قام وقمنا معه، فجاء يمشي حتى انتهى إلى الرحبة، فجلس وأسند ظهره إلى الحائط فرفع رأسه، فقال: يا قنبر ائتني بالركوة، والطست فجاء قنبر، فقال له: ضع فوضع الطست، ثم قال له: صب فصب عليه فغسل كفيه ثلاثا ثلاثا، ثم قال له: ضع فوضع الركوة  فأدخل يده اليمنى فأخذ ملء كفه ماء فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا، ثم أدخل كفه فغسل وجهه ثلاثا، ثم أدخل كفه اليمنى فغسل ذراعه الأيمن ثلاثا، ثم أدخلها فغسل ذراعه الأيسر ثلاثا، ثم أدخل كفه اليمنى فبسط أصابعه في الماء بسطا، ثم رفعها فمسحها على كفه اليسرى كمسحك بيديك بالدهن، ثم مسح بهما رأسه وأذنيه، وغسل رجليه ثلاثا، ثم أدخل كفه اليمنى فأخذ ملأها ماء فشربها، ثم التفت إلينا، فقال: هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببت أن أريكموه".

وقال القاسمي (ص 46): "وروى ابن خزيمة من طريق عبد خير عن علي رضي الله عنهب أنه دعا بكوز من ماء ثم توضأ وضوءا خفيفا ومسح على نعليه، ثم قال: هكذا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم للطاهر ما لم يحدث". وتبعه ابن حبان على ذلك وقال في حديث أوس المتقدم: هذا كان في النفل".

قلت: أخرجه أحمد 1/ 120، ومن طريقه القطيعي في "جزء الألف دينار" (63)، والبيهقي 1/ 75 عن ابن الأشجعي، وابن خزيمة (200)، والبيهقي 1/ 75 من طريق إبراهيم بن أبي الليث، كلاهما عن عبيد الله بن
عبيد الرحمن الأشجعي، عن سفيان، عن السدي، عن عبد خير، عن علي:
" أنه دعا بكوز من ماء ثم قال: أين هؤلاء الذين يزعمون أنهم يكرهون الشرب قائما قال: فأخذه فشرب وهو قائم ثم توضأ وضوءا خفيفا ومسح على نعليه ثم قال: هكذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم للطاهر ما لم يحدث".
وهذا إسناد حسن، ابراهيم بن أبي الليث: متروك الحديث، ويُنظر "لسان الميزان" 1/ 337
وابن الأشجعي هو أبو عبيدة بن عبيد الله بن عبيد الرحمن: مقبول كما في "التقريب"، والذي يظهر أنه حسن الحديث، فقد روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو عُمَير عيسى بن محمد بن النحاس الرملي، وعيسى بن يونس الطرسوسي، وأبو زهير محمد بن إسحاق المروذي، وذكره ابن حبان في "الثقات" 8/ 434، وسماه: عباد بن عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي، وقال:
"من أهل الكوفة يروي عن أبيه ووكيع، روى عنه إبراهيم بن عرعرة، وعيسى ابن محمد المروزي".
وعلى فرض عدم مخالفة هذه الرواية لما هو منقول وثابت عن علي، فقد صرّح رضي الله عنه أن هذا وضوء من لم يحدث، وأما وضوء المحدث ففرضه غسل الرجلين، وأن معنى الوضوء في حديث علي منصرف إلى المعنى اللغوي لا الشرعي، وقد تقدّم معنا أن المحفوظ عن عبد خير بغسل الرجلين، وجاءت هذه القصة من طريق أخرى بالمسح على الرجلين، وليس على النعلين:
أخرجه البخاري (5615)، وأبو داود (3718)، وأحمد 1/ 144،
 وأبو يعلى (309)، والبزار (780)، والطحاوي 4/ 273، وابن خزيمة (16)، والبيهقي 4/ 282 من طريق مسعر، والبخاري (5616)، والنسائي (130)، وفي "الكبرى" (132)، والطيالسي (141) و (144)، وأحمد 1/ 123 و139 و153، والبزار (782)، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (459)، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 34 و4/ 273، والطبري في "تفسيره" (11326)، وابن خزيمة (16)، والبيهقي 1/ 75، والبغوي في "شرح السنة" (3047) عن شعبة، وعبد الله بن أحمد في
"زياداته" على "المسند" 1/ 159، وأبو يعلى (368)، وعنه ابن حبان (1057)، وابن خزيمة (16) و (202) من طريق منصور، والترمذي في "الشمائل" (210)، وأحمد 1/ 78، وعبد الله بن أحمد في "زياداته" على "المسند" 1/ 159، والبزار (781) من طريق الأعمش، أربعتُهم تاما ومختصرا عن عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة قال:
"صليت مع علي الظهر، ثم انطلق إلى مجلس كان يجلسه في المدينة، فقعد وقعدنا حوله حتى حضرت العصر، فأتي بإناء فيه ماء، فأخذ منه كفا فتمضمض، ثم استنشق ومسح وجهه وذراعيه، ومسح برأسه، ومسح برجليه، ثم قام فشرب فضل إنائه، ثم قال: إني حدثت أن رجالا يكرهون أن يشرب أحدهم وهو قائم، وإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وهذا وضوء من لم يحدث".
وقال الطحاوي:
" وليس في هذا الحديث عندنا دليل أن فرض الرجلين هو المسح، لأن فيه أنه قد مسح وجهه، وكان ذلك المسح هو غسلا فكذلك يحتمل أن يكون مَسْحه لرجليه كذلك".
قلت: وهو كما قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى أن المسح هَهُنَا معناه الغسل الخفيف فإنه t مسح وجهه وذراعيه ومسح برأسه، ومسح برجليه، يعني تمسح بالماء في كل الأعضاء، وبيانه في الرواية التالية:
عن ربعي بن حراش: أن علي بن أبي طالب، قام خطيبا في الرحبة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما شاء الله أن يقول ثم دعا بكوز من ماء فتمضمض منه، وتمسح، وشرب فضل كوزه وهو قائم، ثم قال: بلغني أن الرجل منكم يكره، أن يشرب وهو قائم، وهذا وضوء من لم يحدث ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هكذا".
أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائده" في "المسند" 1/ 102 حدثنا أبو عبيدة بن فضيل بن عياض، - وقال لي: هو اسمي وكنيتي - حدثنا مالك ابن سعير - يعني ابن الخمس - حدثنا فرات بن أحنف، حدثنا أبي، عن ربعي به.
وهذا إسناد حسن، الأحنف أبو بحر الهلالي: قال الحسيني في "الإكمال" (ص 15): "كوفي أدرك الجاهلية، وروى عن عبد الله بن بشر الهلالي وربعي ابن حراش عن علي، وعنه ابنه فرات وشعبة والمسعودي، قال: ابن معين ثقة".
 وذكره ابن حبان في "الثقات" 4/ 56.
وابنه فرات بن أحنف: ضعفه أبو داود، والنسائي.
وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه ولا الاحتجاج به.
ووثقه ابن معين، والعجلي، وابن شاهين.
وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عنه فقال هو كوفي صالح الحديث".
وأبو عبيدة بن الفضيل بن عياض: قال ابن الجوزي: ضعيف.
قال الذهبي في "الميزان" 4/ 549:
 "وثقه الدارقطني فلا يلتفت إلى كلام ابن الجوزي".
وقال الحافظ في "اللسان" 9/ 119:
"وذَكَره ابن حِبَّان في "الثقات" وأخرج حديثه في "صحيحه" وكذلك الحاكم، ولم يذكره أحد ممن صنف في الضعفاء.
ثم رأيت سلف ابن الجوزي فقرأت بخطه في كتاب "الأباطيل" للجورقاني لما ذكر حديثا من طريق أبي عبيدة هذا عن مالك بن سعير عن ثور بن يزيد حَدَّثَنا عبد الرحمن بن أبي مسلم عن عطية بن قيس، عَن أبي بن كعب قال: علمت رجلا سورة من القرآن ... الحديث.
وقال بعده: هذا حديث باطل وعبد الرحمن وأبو عبيدة ضعيفان كذا قال!".
وقال البيهقي - بعد روايته قول علي رضي الله عنه "هكذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم للطاهر ما لم يحدث" -:
"في هذا دلالة على أن ما روي عن علي في المسح على النعلين إنما هو في وضوء متطوع به لا في وضوء واجب عليه من حدث يوجب الوضوء، أو أراد غسل الرجلين في النعلين، أو أراد المسح على جوربيه ونعليه كما رواه عنه بعض الرواة مقيدا بالجوربين، وأراد به جوربين منعلين، فثابت عنه رضي الله عنه غسل الرجلين، وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل الرجلين والوعيد على تركه وبالله التوفيق".
وقال ابن القيم في "تهذيب السنن" 1/ 142- بحاشية عون المعبود:
 "الرجل لها ثلاثة أحوال:
 حال تكون في الخف فيجزي مسح ساترها.
 وحال تكون حافية فيجب غسلها، فهاتان مرتبتان وهما كشفها وسترها ففي حال كشفها لها أعلى مراتب الطهارة وهي الغسل التام وفي حال استتارها لها أدناها وهي المسح على الحائل.
 ولها حالة ثالثة: وهي حالما تكون في النعل وهي حالة متوسطة بين كشفها وبين سترها بالخف، فأعطيت حالة متوسطة من الطهارة وهي الرش فإنه بين الغسل والمسح، وحيث أطلق لفظ المسح عليها في هذه الحال فالمراد به الرش لأنه جاء مفسرا في الرواية الأخرى، وهذا مذهب كما ترى لو كان يعلم قائل معين، ولكن يحكى عن طائفة لا أعلم منهم معينا".
قلت: وهو مذهب قوي وأدلته صحيحة، لكن معنى الرش هو الغسل الخفيف، فقد جاءت رواية عند البخاري (140) تفسّر معنى الرش، وهذا آخر ما استدل به القاسمي على جواز المسح على النعلين، وجاء أثرٌ عن علي رضي الله عنه:
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (784) عن الثوري، وابن أبي شيبة
 1/ 190 عن ابن إدريس، وابن المنذر في "الأوسط" (276)، والبيهقي 1/ 288 من طريق ابن نمير، ثلاثتُهم تاما ومختصرا عن الأعمش، عن أبى ظبيان قال:
"رأيت على بن أبى طالب بالرحبة بال قائما حتى أرغى، فأتى بكوز من ماء فغسل يديه واستنشق وتمضمض وغسل وجهه وذراعيه، ومسح برأسه ثم أخذ كفا من ماء فوضعه على رأسه حتى رأيت الماء ينحدر على لحيته، ثم مسح على نعليه ثم أقيمت الصلاة فخلع نعليه، ثم تقدم فأم الناس".
قال ابن نمير: قال الأعمش: فحدثت إبراهيم قال: إذا رأيت أبا ظبيان فأخبرني، فرأيت أبا ظبيان قائما في الكناسة فقلت: هذا أبو ظبيان فأتاه فسأله عن الحديث.
وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 123 حدثنا ابن إدريس، عن الأعمش، وحصين، عن أبي ظبيان قال: "رأيت عليا بال قائما".
وأخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 97 من طريق شعبة، والبيهقي 1/ 287 من طريق سفيان، كلاهما عن سلمة بن كهيل، عن أبي ظبيان:
"أنه رأى عليا بال قائما، ثم دعا بماء فتوضأ، ومسح على نعليه، ثم دخل المسجد، فخلع نعليه ثم صلى".
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (783) عن معمر، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي ظبيان الجنبي قال:
"رأيت عليا بال قائما حتى أرغى، ثم توضأ ومسح على نعليه، ثم دخل المسجد فخلع نعليه فجعلهما في كمه، ثم صلى".
قال معمر: ولو شئت أن أحدث أن زيد بن أسلم حدثني عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، صنع كما صنع علي فعلت.
قلت: وفي قول معمر (ولو شئت أن أحدث أن زيد بن أسلم حدثني عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، صنع كما صنع علي فعلت) حل لما أشكل في أثر علي هذا، فقد تقدّم معنا في الفقرة الرابعة حديث زيد ابن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، وفيه أنه "أخذ غرفة من ماء، فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى، فغسل بها رجله، يعني اليسرى، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ" واللفظ للبخاري (140).
ومن طريق زيد بن أسلم رواه معمر، وسليمان بن بلال، وسفيان الثوري، ومحمد بن عجلان، وهشام بن سعد، والدراوردي، وداود بن قيس، وروح ابن القاسم.
وفي لفظ " ثم أخذ حفنة ماء فرش على قدميه وهو منتعل"، وقد جاء تفسيره عند البخاري وغيره بلفظ "ثم أخذ غرفة من ماء، فرش على رجله اليمنى حتى غسلها".
وفي رواية عند أبي داود (137) "ثم قبض قبضة أخرى من الماء فرش على رجله اليمنى، وفيها النعل، ثم مسحها بيديه يد فوق القدم ويد تحت النعل، ثم صنع باليسرى مثل ذلك".
فمعنى مسحُ عليٍّ t على نعليه، أي: غسل رجليه في النعلين، وأما ما أخرجه ابن عدي في "الكامل" 4/ 117، ومن طريقه البيهقي 1/ 286 فحديث ضعيف، منكر بالمسح على النعل، يرويه رواد بن الجراح، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس:
 "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ومسح على نعليه".
وقال البيهقي هكذا رواه رواد بن الجراح، وهو ينفرد عن الثوري بمناكير هذا أحدها، والثقات رووه عن الثوري دون هذه اللفظة".
قلت: رواد بن الجراح: في حديثه عن الثوري ضعف شديد، وتابعه زيد بن الحباب عند البيهقي 1/ 286، وهو يخطئ في حديث الثوري، والمتابع له شديد الضعف لا يصلح للاعتبار كما هو معروف في المصطلح، وراجع تخريج حديث ابن عباس في الفقرة الرابعة يتضّح لك نكارة هذه اللفظة مما لا يدع معه مجالا للشك، وقد جاء الوعيد على ترك إسباغ الوضوء، فقد أخرج البخاري (60) و(96) و (163)، ومسلم (241-27) من حديث عبد الله بن عمرو أنه قال:
"تخلف عنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها فأدركنا، وقد أرهقتنا الصلاة، ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: "ويل للأعقاب من النار" مرتين أو ثلاثا".
ولمسلم (241-26) "رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر، فتوضئوا وهم عجال فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء".
قوله (أعقابهم تلوح) أي: يظهر للناظر فيها بياض لم يصبه الماء مع إصابته سائر القدم، والأعقاب: جمع عقب، بفتح فكسر: مؤخر القدم.
وقوله (أسبغوا الوضوء) من الإسباغ، أي: أتموه، وعمموه لجميع أجزاء الوضوء.
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا لم يغسل عقبيه فقال: "ويل للأعقاب من النار".
أخرجه مسلم (242-28).
وقال محمد بن زياد: "كان أبو هريرة t يمر بنا والناس يتوضؤون من المطهرة، قال: أسبغوا الوضوء، فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال: "ويل للأعقاب من النار".
 أخرجه البخاري (165)، ومسلم (242-29).

استُدل بحديثين غير صالحين للاستدلال بهما


إتمامًا لما سبق: استُدل أيضا بحديثين، الأول منهما حديث هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة، وهو حديث حكم عليه أئمة الحديث بأنه منكر، والثاني حديث أبي سعيد الخدري وهو ضعيف:
 أما حديث المغيرة:
فأخرجه أبو داود (159)، والترمذي (99)، وابن ماجه (559)، والنسائي في "الكبرى" (129)، وأحمد 4/ 252، وابن أبي شيبة 1/ 188 و 14/ 233، ومسلم في "التمييز" (79)، وابن خزيمة (198)، والطبراني 20/ (996)، عن وكيع، وعبد بن حميد (398) - المنتخب من طريق الضحاك ابن مخلد، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 97، والطبراني 20/ (995)، وفي "الأوسط" (2666)، وابن خزيمة (198)، والعقيلي في "الضعفاء" 1/ 327، والبيهقي 1/ 283 - 284 و 284 من طريق أبي عاصم، والطبراني 20/ (996)، وابن خزيمة (198)، وعنه ابن حبان (1338) من طريق زيد بن الحباب، والطبراني 20/ (996) من طريق عبد الحميد الحماني، وابن المبارك، ستتُهم عن سفيان، عن أبي قيس الأودي، عن الهزيل ابن شرحبيل الأودي، عن المغيرة بن شعبة:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ، ومسح على الجوربين والنعلين".
وهذا شاذ، قال أبو داود:
"كان عبد الرحمن بن مهدي: لا يحدث بهذا الحديث لأن المعروف عن المغيرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين".
وقال الترمذي:
"هذا حديث حسن صحيح".
وقال النسائي:
"ما نعلم أن أحدا تابع أبا قيس على هذه الرواية والصحيح عن المغيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والله أعلم".
وقال الطبراني:
"لم يرو هذا الحديث عن أبي قيس إلا سفيان".
وقال البيهقي:
"قال أبو محمد: رأيت مسلم بن الحجاج ضعف هذا الخبر، وقال أبو قيس الأودي، وهزيل بن شرحبيل لا يحتملان هذا مع مخالفتهما الأجلة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة فقالوا: مسح على الخفين، وقال: لا نترك ظاهر القرآن بمثل أبى قيس وهزيل.
فذكرت هذه الحكاية عن مسلم لأبي العباس: محمد بن عبد الرحمن الدغولي فسمعته يقول: سمعت علي بن مخلد بن شيبان يقول: سمعت أبا قدامة السرخسي يقول: قال عبد الرحمن بن مهدي: قلت لسفيان الثوري: لو حدثتني بحديث أبى قيس عن هزيل ما قبلته منك، فقال سفيان: الحديث ضعيف أو واه أو كلمة نحوها.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد محمد بن موسى قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول حدثت أبي بهذا الحديث فقال أبي: ليس يروى هذا إلا من حديث أبي قيس، قال أبي: أبى عبد الرحمن بن مهدي أن يحدث به يقول هو منكر.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا الحسن بن محمد الإسفرائني، أخبرنا محمد ابن أحمد بن البراء قال: قال علي بن المديني: حديث المغيرة بن شعبة في المسح رواه عن المغيرة أهل المدينة، وأهل الكوفة، وأهل البصرة، ورواه هزيل ابن شرحبيل عن المغيرة إلا أنه قال: ومسح على الجوربين وخالف الناس.
أخبرنا عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار ببغداد، أخبرنا أبو بكر الشافعي، أخبرنا جعفر بن محمد بن الأزهر، حدثنا المفضل بن غسان قال: سألت أبا زكريا - يعني يحيى بن معين - عن هذا الحديث فقال: الناس كلهم يروونه على الخفين غير أبى قيس".
وقال البخاري في "التاريخ الكبير" 3/ 137:
 "كان يحيى ينكر على أبي قيس حديثين، وذكر هذا منهما".
وذكر مسلم في "التمييز" من روى عن المغيرة المسح على الخفين، ثم قال (ص 203): "كل هؤلاء قد اتفقوا على خلاف رواية أبي قيس عن هزيل، ثم قال: والحمل فيه على أبي قيس أشبه، وبه أولى منه بهزيل، لأن أبا قيس قد استنكر أهل العلم من روايته أخبارا غير هذا الخبر".
قلت: ولخّص الحافظ ترجمته في "التقريب" بقوله:
"صدوق، ربما أخطأ".
وقال الدارقطني في "العلل" (1240):
"لم يروه غير أبي قيس، وهو مما يغمز عليه به، لأن المحفوظ عن المغيرة المسح على الخفين".
وقال البيهقي في "المعرفة" (2055):
"وذاك حديث منكر، ضعفه سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد ابن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة، حديث المسح على الخفين، ويروى عن جماعة، من الصحابة أنهم فعلوه، والله أعلم".
قلت: ولا ينبغي دفع تضعيف هؤلاء الأئمة بتصحيح الترمذي وابن حبان له، لأنهما ممن عُرفا بالتساهل، وأما القول بأنهما حادثتان متغايرتان فهذا مما لا ينبغي أن يرد به على أئمة هذا الشأن، فهم أعرف الناس بهذا ولا يخفى عليهم مثل هذا، فالحكم بنكارته متجه فقد تفرّد به أبو قيس الأودي، وقال فيه الإمام أحمد: إنه يخالف في أحاديثه، وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عنه، فقال: هو كذا وكذا، وحرّك يده، وهو يخالف في أحاديث.
وعنه قال: لا يحتج به.
وقال أبو حاتم: ليس بقوي، هو قليل الحديث، وليس بحافظ، قيل له: كيف حديثه؟ فقال: صالح هو لين الحديث.
وذكره العقيلي في "الضعفاء" 2/ 327، وقال:
 "الرواية في الجوربين فيها لين".
ووثقه ابن معين والعجلي وابن حبان، وقال النسائي: ليس به بأس.
وقد توسّط الحافظ في ترجمته فقال: "صدوق ربما خالف" وهذه إشارة منه لما ذكره الأئمة في أبي قيس من مخالفته، وقد أُلزم الإمام مسلم بهذا الكلام التالي:
"من الغريب أن الإمام مسلما الذي أعل الحديث بالشذوذ والمخالفة هو نفسه لما أخرج حديث المسح على الخفين في السفر من طريق الجماعة عن المغيرة أخرجه أيضا من طريق أخرى عنه، فزاد فيه المسح على العمامة فعلى طريقته في إعلال حديث هزيل بمخالفته للثقات كان ينبغي أن يعل حديث العمامة أيضا بل هو بالإعلال عنده أولى لأنها زيادة في نفس حديث الجماعة أعني في السفر وليس ذلك عن حديث هزيل".
قلت: لم يتفرّد الإمام مسلم بإعلال حديث الهزيل، فقد أعله أيضا: سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي ابن المديني، وأبو داود، والنسائي، والدارقطني، وهذا التتابع في إعلال هذا الحديث إن دلّ فيدلّ على صحة مذهبهم في إعلاله، وأما المسح على العمامة أو الخمار، فزيادة من ثقة، ولم يتفرّد بها فقد رواها الإمام مسلم في "صحيحه" من طريق سليمان التيمي، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن المغيرة، وهذا إسناد رجاله ثقات، ولم يتفرّد ابن المغيرة بهذه الزيادة فقد تابعه عليها: عمرو بن وهب الثقفي عن المغيرة بإسناد صحيح، وجاءت أيضا في حديث أبي أمامة الباهلي عن المغيرة، لكن الطريق إليه ضعيفة، ومن الرواة من يذكر المسح على الرأس، ومنهم من لا يذكره مطلقا، ففي رواية نافع بن جبير بن مطعم، عن عروة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه "أنه صلى الله عليه وسلم غسل وجهه، وذهب يغسل ذراعيه، فضاق عليه كم الجبة، فأخرجهما من تحت جبته فغسلهما، ثم مسح على خفيه"، فهل يقول أحدٌ إنه صلى الله عليه وسلم ترك مسح رأسه، لأنه لم يُذكر في هذه الرواية؟!، هذا مما لا يقول به أحدٌ، فهذا الحديث جاء مطولًا، فمنهم من يرويه تامًا، ومنهم من يختصره مكتفيًا بموضع الشاهد منه، فثبوت أنه مسح رأسه في هذه القصة لا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة أيضا، فقد جاء في حديث عمرو بن وهب الثقفي، عن المغيرة أنه صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته، ومسح على العمامة، وينظر تخريجنا لهذا الحديث برقم (39) ففيه زيادة تفصيل، وهذه الزيادة ثابتة في "الصحيح" عن اثنين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هما: عمرو بن أمية بن خويلد الضمري، وبلال، ثم إنه لم يعلّ أحدٌ من أئمة الحديث هذه الزيادة حتى يتوقف في قبولها كما هو الشأن في حديث أبي قيس الأودي، عن هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة، والمسح على الجوربين ذكرتُ فيه حديث صحيح في كتابي "أحاديث الأحكام" برقم (40)، والخفان يكونان من جلد وصوف، وتقدّم الكلام على هذا عند الفقرة الثانية، والله الموفق.
وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على "سنن ابن ماجه":
"لم ينفرد به أبو قيس الأودي - وهو عبد الرحمن بن ثروان - بل تابعه فضالة بن عمرو - ويقال: عمير - الزهراني، وعمرو بن وهب الثقفي!".
قلت: هاتان المتابعتان شبه لا شيء، أو كما يقول إمام السنة أحمد بن حنبل "ما خلق الله من ذا شيئًا".
 أما متابعة فضالة بن عمرو:
فأخرجها أبو بكر الإسماعيلي في "معجم شيوخه" 2/ 703 - 704 (الترجمة 327) حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن مرداس الواسطي أبو بكر من حفظه إملاء قال: سمعت أحمد بن سنان، يقول: سمعت
عبد الرحمن بن مهدي، يقول: عندي عن المغيرة بن شعبة، ثلاثة عشر حديثا في المسح على الخفين. فقال أحمد الدورقي: حدثنا يزيد بن هارون، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية الرياحي، عن فضالة بن عمرو الزهراني، عن المغيرة بن شعبة:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين".
شيخ الإسماعيلي لم أجد له ترجمة، وهذا الحديث أخرجه ابن أبي شيبة كما في "المطالب العالية" (4315) حدثنا يزيد بن هارون، والطبراني 20/ (1028) و (1029) من طريق خالد بن عبد الله الواسطي، ويزيد بن هارون، وأبو علي الرفاء في "الفوائد" (215) من طريق هياج بن بسطام، ثلاثتُهم عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية، عن فضالة بن عمرو الزهراني، عن المغيرة بن شعبة:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه".
والحديث إسناده ضعيف، فضالة بن عمرو الزهراني: وجاء اسمه في "فوائد أبي علي الرَّفَّاء" (215) فضالة بن عبيد، وقال البخاري في "التاريخ الكبير" 7/ 124:
"فضالة بن عمير الزهراني قاله ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند، وقال: يزيد بن هارون وعبد الوهاب، عن فضالة بن عبيد، عن المغيرة بن شعبة".
وبنحوه قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 7/ 77، لكن وقع عنده وهم، وهو قوله "روى عنه داود بن أبي هند"، إنما رواه عن أبي العالية عنه، وقد تفرّد بالرواية عنه أبو العالية فهو مجهول العين، وقد خلط البعضُ فقالوا: إن فضالة له صحبة وهو غلط فالذي له صحبة هو فضالة الليثي، وأما الزهراني فتابعي.
وذكره ابن حبان في الثقات 5/ 296، وقال العجلي:
"بصري تابعي ثقة! "، وهذا دليل على تساهلهما، وفيه رد على من يدفع التساهل عن العجلي، وقد جمعت شيئا من تساهلاته في التوثيق لعلي أنشط لنشره، والله الموفق.
وأما متابعة عمرو بن وهب الثقفي:
فلا يجوز نسبة هذه الزيادة في طريق عمرو بن وهب الثقفي، لأنها خطأ، فقد أخرجه أبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" 4/ 14 من طريق إسماعيل بن يزيد، قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن، عن ابن سيرين، عن عمرو بن وهب، عن المغيرة بن شعبة، قال:
"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على العمامة، والجوربين، والخفين".
وقد رواه أبو داود الطيالسي نفسه في "مسنده" (734)، ورواه عنه: عبدة ابن عبد الله الصفار الخزاعي، ومحمد بن عمرو البحراني، ورواه عن محمد بن سيرين جمعٌ فلم يذكروها، والذي شذّ فيها هو إسماعيل بن يزيد بن حريث القطان، قال أبو نعيم: اختلط عليه بعض حديثه في آخر أيامه. وهذا بيان هذا الملخّص:
أخرجه أبو داود الطيالسي (734)، ومن طريقه الطبراني 20/ (1037)، وفي "الأوسط" (1389) حدثنا سعيد بن عبد الرحمن، عن محمد بن سيرين، عن عمرو بن وهب الثقفي، عن المغيرة بن شعبة، قال:
"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة والخفين".
وقال الطبراني:
"لم يرو هذا الحديث عن سعيد بن عبد الرحمن إلا أبو داود".
وتابع سعيد بن عبد الرحمن جمعٌ:
أخرجه أحمد 4/ 244، ومن طريقه ابن عبد البر في "التمهيد" 11/ 159، والمزي في "تهذيب الكمال" 22/ 292، وابن أبي شيبة 1/ 23 -مختصرًا، والنسائي في "السنن الكبرى" (168) أخبرنا زياد بن أيوب، والبخاري في "القراءة خلف الإمام" (126) [[5]] حدثنا مسدد، وابن عبد البر في "الاستذكار" 1/ 131 - مختصرا من طريق زهير، خمستُهم (أحمد بن حنبل، وابن أبي شيبة، وزياد بن أيوب، ومسدد، وزهير بن حرب) عن ابن علية، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عمرو بن وهب الثقفي، قال: كنا مع المغيرة بن شعبة، فسئل: هل أم النبي صلى الله عليه وسلم أحد من هذه الأمة غير أبي بكر t؟ فقال: نعم، كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما كان من السحر، ضرب عنق راحلتي، فظننت أن له حاجة، فعدلت معه، فانطلقنا حتى برزنا عن الناس، فنزل عن راحلته، ثم انطلق، فتغيب عني حتى ما أراه، فمكث طويلا، ثم جاء، فقال: "حاجتك يا مغيرة؟ " قلت: ما لي حاجة، فقال: "هل معك ماء؟" فقلت: نعم، فقمت إلى قربة، أو إلى سطيحة، معلقة في آخرة الرحل، فأتيته بماء، فصببت عليه، فغسل يديه، فأحسن غسلهما، قال: وأشك أقال: دلكهما بتراب أم لا، ثم غسل وجهه، ثم ذهب يحسر عن يديه، وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فضاقت، فأخرج يديه من تحتها إخراجا، فغسل وجهه ويديه، قال: فيجيء في الحديث غسل الوجه مرتين؟، قال: لا أدري أهكذا كان أم لا؟، ثم مسح بناصيته، ومسح على العمامة، ومسح على الخفين، وركبنا فأدركنا الناس وقد أقيمت الصلاة، فتقدمهم عبد الرحمن بن عوف، وقد صلى بهم ركعة وهمّ في الثانية، فذهبت أوذنه، فنهاني، فصلينا الركعة التي أدركنا، وقضينا الركعة التي  سُبِقْنَا".
وأخرجه الشافعي 1/ 32 - بترتيب السندي، وفي "الأم" 1/ 22، ومن طريقه الدارقطني 1/ 353، والبيهقي في "المعرفة" (618)، والبغوي في "شرح السنة" (232)، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 30 أخبرنا ربيع المؤذن، كلاهما (الشافعي، والربيع بن سليمان المؤذن) عن يحي بن حسان، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عمرو بن وهب الثقفي، عن المغيرة بن شعبة:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى عمامته وخفيه".
وقرن الشافعي بحماد بن زيد: ابن علية.
وأخرجه الطبراني 20/ (1039) من طريق عارم أبي النعمان، والبيهقي
 1/ 58 من طريق أبي الربيع الزهراني، كلاهما عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن رجل - كناه الطبراني أبا عبد الله - عن عمرو بن وهب، عن المغيرة به مطولا.
وتابع أيوبَ: جريرُ بنُ حازم، في ذكر الرجل المبهم لكن اختُلف فيه عليه:
أخرجه أحمد 4/ 248 حدثنا أسود بن عامر، حدثنا جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، قال: حدثني رجل، عن عمرو بن وهب به.
وأخرجه عبد بن حميد (395) - المنتخب، والدارمي (661) عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن جرير، عن ابن سيرين، عن عمرو بن وهب، عن المغيرة به.
وقد تابع جريرًا في عدم ذكر الرجل المبهم جمعٌ:
أخرجه أحمد 4/ 247-248، والبخاري في "التاريخ الكبير" 6/ 377، وابن حبان (1342)، والطبراني 20 / (1035) و(1036) وفي "الأوسط" (3448)، وفي "الصغير" (369) من طريق هشام، والطبراني 20/ (1036) من طريق عوف، والطبراني 20/ (1035)، وفي "الأوسط " (3448)، وفي "الصغير" (369) من طريق أيوب، وحبيب بن الشهيد، والنسائي (109)، وفي "الكبرى" (112)، والطبراني 20/ (1031) و (1032) من طريق يونس بن عبيد، والطبراني أيضاً 20/ (1030)، وفي "مسند الشاميين" (2684) من طريق قتادة، و (1033) من طريق أشعث، والطحاوي 1/ 31 من طريق ابن عون، والطبراني في "الأوسط" (5404) من طريق واصل بن عبد الرحمن أبي حرة، تسعتُهم عن محمد بن سيرين، عن عمرو بن وهب، أن المغيرة بن شعبة حدثه:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على ناصيته، وعلى عمامته، وعلى خفيه".
وقال الدارقطني في "العلل" (1237):
"فالقول قول أيوب، وقتادة ومن تابعهما".
وأخرجه عبد الرزاق (740)، ومن طريقه ابن الأعرابي في "المعجم" (1454) عن معمر، عن قتادة، أن المغيرة بن شعبة قال:
"خصلتان لا أسأل عنهما أحدا، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار".
وهذا معضل، قال الدارقطني في "العلل" (2642):
"ومعمر سيء الحفظ لحديث قتادة والأعمش".
وأخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (2685) حدثنا عبد الله بن الحسين المصيصي، حدثنا محمد بن بكار بن بلال، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس بن سيرين، عن عمرو بن وهب، عن المغيرة بن شعبة:
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على ناصيته وعمامته وخفيه".
وإسناده ضعيف، سعيد بن بشير: ضعيف، لكن العهدة بهذا على شيخ الطبراني فقد قال ابن حبان: يقلب الأخبار ويسرقها، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وله نسخة كلها مقلوبة.
وقد خالفه أبو زرعة الدمشقي:
أخرجه الطبراني 20/ (1030) حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، حدثنا محمد بن بكار، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن محمد بن سيرين، عن عمرو بن وهب الثقفي به.
وأخرجه أيضا في "مسند الشاميين" (2684) حدثنا أبو زرعة الدمشقي، حدثنا يحيى بن صالح الوحاظي، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن محمد بن سيرين، عن عمرو بن وهب به.

وأما حديث أبي موسى الأشعري:
فأخرجه ابن ماجه (560)، ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق"
 1/ 216، والطحاوي 1/ 97، والبيهقي 1/ 284-285 من طريق عيسى بن يونس، والباغندي في "أماليه" (9) من طريق الصغدي بن سنان، كلاهما عن عيسى بن سنان، عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب، عن أبي موسى الأشعري:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين".
ضعفه أبو داود بقوله:
"وليس بالمتصل ولا بالقوي".
وقال أَبو حاتم الرازي كما في "الجرح والتعديل" 4/ 459:
"ضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب، ويقال: ابن عرزم، وعرزب أصح، روى عن أبي موسى الأشعري، مرسل".
وقال البيهقي:
"الضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبى موسى، وعيسى بن سنان ضعيف لا يحتج به".
وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (1108) من طريق أبي جعفر النفيلي، عن عيسى بن يونس به، وزاد: "والعمامة".
وقال الطبراني:
"لا يروى هذا الحديث عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد، تفرد به عيسى".
وأخرجه العقيلي في "الضعفاء" 3/ 383-384 من طريق الحجاج بن نصير قال: حدثنا القاسم بن مطيب العجلي قال: حدثنا عيسى بن سنان، عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب، عن أبي موسى:
 "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا، ومسح على الجوربين والنعلين".
وقال: "والأسانيد في الجوربين والنعلين فيها لين".
هذا آخر ما تيسّر لي من الكلام حول ما جاء في هذه الرسالة المسماة بــ (المسح على الجوربين والنعلين) وقد تبيّن ضعف ما استُدل به على جواز المسح على النعلين، فالحمد لله على توفيقه.
 إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
 وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

 كتبه أحوج الناس لعفو ربه
أبـــــو ســــــــامي العبــــــدان
حســــــــــــن التمـــــــــــــــام
لخمس وعشرين خلون من صفر سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم

٭ ٭ ٭

[1] - هذا حديث ضعيف، ظاهر النكارة، وستقف إن شاء الله على بيان ذلك في آخر هذه الرسالة.
[2] - هذا الوضوء الذي نُقل عن علي t إنما هو وضوء مَن لم يحدث كما في بعض ألفاظ هذا الأثر وسيأتـي الكلام عليه إن شاء الله تعالى، وأما وضوء من أحدث ففرضه غسل الرجلين.
[3] - سقط من مطبوع "الاعتبار" شعبة!
[4] - تحرّف يعلى بن عطاء في "الطبعة الميمنية" للمسند إلى (يعلى بن أمية)، وجاء على الصواب في "أطراف المسند" 1/ 567، و"طبعة المكنز" 7/ 3510، و"طبعة الرسالة" 26/ 79، و"طبعة عالم الكتب" 5/ 542، ومن طريق الإمام أحمد: أخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 1/ 309، عن يعلى بن عطاء، ولا يَروي عن أبيه غيرُه، فقد تفرّد بالرواية عنه.
[5] - سقط من مطبوع "القراءة" ابن سيرين.


حقوق النشر لكل مسلم يريد نشر الخير إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

أبو سامي العبدان حسن التمام