words' theme=''/>

ندعو إلى التمسك بالمنهج الصحيح المتكامل لفهم الإسلام الصحيح والعمل به، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، لنعود بك إلى الصدر الأول على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم من القرون الفاضلة إلى يوم الدين ...أبو سامي العبدان

الأربعاء، 20 ديسمبر 2017

كشف الوهم والإيهام بالتدليل على ما جاء في جواز المسح على النعلين للقاسمي محمد جمال


بسم الله الرحمن الرحيم


مقدمة


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
 ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ ِمنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقيبًا﴾ [النساء: 1].
 ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ َأعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد، فان أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
قرأت لعدة مرات رسالة اسمها (المسح على الجوربين والنعلين) تأليف محمد جمال الدين القاسمي (المتوفى: 1332هـ) وقد جاء فيها القول بجواز المسح على النعلين، واستدل له بحجج غير صالحة للاستدلال بها، وستقف إن شاء الله تعالى على بيان ما فيها، لأنني سأتناول ما استدل به فقرة فقرة:

حجج تهافت كالزجاج تخالها ... حَقًا وكل كاسر مكسور

اعلم رحمك الله تعالى أن أئمة المذاهب كلهم من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة قد اتفقوا على عدم جواز المسح على النعلين إذ النعل لا يستر محل الفرض، وقد نص الفقهاء على شرط في مشروعية المسح على الخفين وهو أن يكونا ساترين للكعبين فإن اختل هذا الشرط فإنه لا يجوز المسح عليهما، ويستحيل أن يتفق أئمة الدين على ترك مشروع ولستُ ممن يتعصب أو يجمد على ما في المذاهب ولكن الحق أن ما ذُكر غير صالح للاستدلال، فقد قمت بتتبع ما استُدل به على جواز المسح على النعلين فإذا هي أدلة غير صالحة للاحتجاج وهذه نبذة من مذاهب أئمة الدين، أما المذهب الحنفي فإنه لا يجزئ عندهم المسح على النعلين في الوضوء، فقد قالوا: إذا لم يستر الخف جميع القدم مع الكعبين، كأن كانت بالخف الواحد خروق يظهر منها بعض القدم، فإن كانت تلك الخروق مقدار ثلاث أصابع من أصغر أصابع الرجل، فإن ذلك لا يضر، فيصح المسح عليه مع هذه الخروق، وإن كانت أكثر من ذلك فإنها تضر، وتمنع صحة المسح، فإن كانت الخروق متفرقة في الخفين فإنه لا يجمع منها إلا ما كان في الخف الواحد، فإذا كان ما في الخف الواحد يساوي القدر المذكور، بطل المسح، أما إذا كان أقل، فإنه لا يضر، حتى ولو كان في الخف الآخر خروق قليلة، لو جمعت مع الخروق الأخرى تبلغ هذا المقدار.
وأما المسح على الجوربين فإن كانا مجلدين أو منعلين يجزيه بلا خلاف، وإن كانا ثخينين لا يجوز عند أبي حنيفة، ويجوز عند أبي يوسف ومحمد، وروي عن أبي حنيفة أنه رجع إلى قولهما في آخر عمره وذلك أنه مسح على جوربيه في مرضه.
وانظر "بدائع الصنائع" 1/ 10، و"المبسوط" 1/ 289، و"تبيين الحقائق" 1/ 52، و"البحر الرائق" 1/ 192، و"الهداية" مطبوع مع نصب الراية 1/269، و"شرح معاني الآثار" 1/ 98، و"الفقه على المذاهب الأربعة" 1/ 127.
وأما الإمام مالك فإنه لا يرى المسح على الخف إذا قطع أسفل من الكعب، فضلاً أن يرى المسح على النعلين، جاء في "المدونة" 1/ 143:
"قال مالك في الخفين يقطعهما أسفل من الكعبين المحرم وغيره لا يمسح عليهما، من أجل أن بعض مواضع الوضوء قد ظهر".
فيشترط الإمام مالك في الممسوح أن يكون ساترا لمحل الفرض.
وأما المذهب الشافعي ففي "كفاية النبيه في شرح التنبيه" 1/ 357 أنهم اشترطوا أن يكون الخف ساترا للقدمين، قال: "وطريق الاستدلال منها – يعني الآية - ما تقدم.
ولأن ظهور إحدى القدمين مانع من جواز المسح على الأخرى، تغليبا لحكم الغسل، فكان ظهور بعض الرجل بالمنع من مسح الباقي منها أولى، ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما ترى منه القدم في موضع الخياطة، أو غيره، والمراد بالقدم: ما يجب غسله من الرجل...".
وقال الشيرازي في "المهذب" 1/ 499 – مع شرحه: "وإن لبس جوربا جاز المسح عليه بشرطين أحدهما أن يكون صفيقا لا يشف والثاني أن يكون منعلا فإن اختل أحد الشرطين لم يجز المسح عليه".
قال النووي: "ونص الشافعي رضي الله عنه عليها في "الأم" كما قاله المصنف – يعني الشيرازي - وهو أنه يجوز المسح على الجورب بشرط أن يكون صفيقا منعلا وهكذا قطع به جماعة منهم الشيخ أبو حامد والمحاملي، وابن الصباغ والمتولي وغيرهم، ونقل المزني أنه لا يمسح على الجوربين إلا أن يكونا مجلدي القدمين، وقال القاضي أبو الطيب: لا يجوز المسح على الجورب إلا أن يكون ساترا لمحل الفرض ويمكن متابعة المشي عليه.
 قال: وما نقله المزني من قوله إلا أن يكونا مجلدي القدمين ليس بشرط، وإنما ذكره الشافعي رضي الله عنه لأن الغالب أن الجورب لا يمكن متابعة المشي عليه إلا إذا كان مجلد القدمين هذا كلام القاضي أبي الطيب، وذكر جماعات من المحققين مثله ونقل صاحبا "الحاوي" و"البحر" وغيرهما وجها أنه لا يجوز المسح وإن كان صفيقا يمكن متابعة المشي عليه حتى يكون مجلد القدمين، والصحيح بل الصواب ما ذكره القاضي أبو الطيب والقفال وجماعات من المحققين أنه إن أمكن متابعة المشي عليه جاز كيف كان، وإلا فلا، وهكذا نقله الفوراني في "الإبانة" عن الأصحاب أجمعين فقال: قال أصحابنا: إن أمكن متابعة المشي على الجوربين جاز المسح عليهما وإلا فلا".
وأما نصوص إمام السنة المبجل أحمد بن حنبل وأصحابه فهي أكثر من أن تحصى وسنأتي عليها إن شاء الله تعالى بعد قليل.
وقال الإمام البخاري في "صحيحه":
 (باب غسل الرجلين في النعلين، ولا يمسح على النعلين)
ثم ذكر تحته حديث ابن عمر (166)، وفيه أنه قال:
 "رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يلبس النعل التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها".
قال الحافظ في "الفتح" 1/ 268:
"ليس في الحديث الذي ذكره تصريح بذلك، وإنما هو مأخوذ من قوله (يتوضأ فيها) لأن الأصل في الوضوء هو الغسل، ولأن قوله (فيها) يدل على الغسل، ولو أريد المسح لقال: عليها.
 قوله (ولا يمسح على النعلين) أي: لا يكتفى بالمسح عليهما كما في الخفين وأشار بذلك إلى ما روي عن علي وغيره من الصحابة بأنهم مسحوا على نعالهم في الوضوء ثم صلوا، ورُوي في ذلك حديث مرفوع أخرجه أبو داود وغيره من حديث المغيرة بن شعبة [
[1]] لكن ضعفه عبد الرحمن بن مهدي وغيره من الأئمة، واستدل الطحاوي على عدم الإجزاء بالإجماع على أن الخفين إذا تخرقا حتى تبدو القدمان أن المسح لا يجزئ عليهما، قال: فكذلك النعلان لأنهما لا يغيبان القدمين".
وهذا إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى عندما سأله ابنه صالح كما في "مسائله" (578):
"ما تقول في حديث علي: "أنه مسح على نعليه ثم خلعهما، وأم القوم، ولم يحدث وضوءًا" [[2]]، ما معناه؟
قال: يُروى هذا عن علي.
قلت: فإن فعل هذا رجل؟
قال: ما يعجبني يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ويل للأعقاب من النار". فإن كان أتى المسح على الأعقاب وغسل الرجلين فلا بأس".
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في "المسائل" (129):
" سألت أبي عن الرجل يمسح على نعليه؟ فكرهه، وقال: لا".
والأئمة يطلقون لفظ الكراهة ومرادهم التحريم، قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" 1/ 32:
"وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك، حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم، وأطلقوا لفظ الكراهة، فنفي المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة، ثم سهل عليهم لفظ الكراهة وخفت مؤنته عليهم فحمله بعضهم على التنزيه، وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى، وهذا كثير جدا في تصرفاتهم، فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة، وقد قال الإمام أحمد في الجمع بين الأختين بملك اليمين: أكرهه، ولا أقول هو حرام، ومذهبه تحريمه، وإنما تورع عن إطلاق لفظ التحريم لأجل قول عثمان.
وقال أبو القاسم الخرقي فيما نقله عن أبي عبد الله: ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة، ومذهبه أنه لا يجوز، وقال في رواية أبي داود:
ويستحب ألا يدخل الحمام إلا بمئزر له، وهذا استحباب وجوب، وقال في رواية إسحاق بن منصور: إذا كان أكثر مال الرجل حراما فلا يعجبني أن يؤكل ماله، وهذا على سبيل التحريم.
وقال في رواية ابنه عبد الله: لا يعجبني أكل ما ذبح للزهرة ولا الكواكب ولا الكنيسة، وكل شيء ذبح لغير الله، قال الله عز وجل: ﴿حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به﴾.
أطلق الإمام أحمد لفظ الكراهة على ما هو حرام عنده، فتأمل كيف قال:
 "لا يعجبني" فيما نص الله سبحانه على تحريمه، واحتج هو أيضا بتحريم الله له في كتابه، وقال في رواية الأثرم:
أكره لحوم الجلالة وألبانها، وقد صرح بالتحريم في رواية حنبل وغيره، وقال في رواية ابنه عبد الله: أكره أكل لحم الحية والعقرب، لأن الحية لها ناب والعقرب لها حمة ولا يختلف مذهبه في تحريمه، وقال في رواية حرب: إذا صاد الكلب من غير أن يرسل فلا يعجبني، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أرسلت كلبك وسميت" فقد أطلق لفظة "لا يعجبني" على ما هو حرام عنده".
ثم ساق أقوالا عن باقي الأئمة أنهم يطلقون لفظ الكراهة ومرادهم التحريم...".

وقال عبد الله بن الإمام أحمد: "سألت أبي عن المسح على النعلين؟ فقال: إذا كان في القدم جوربين قد ثبتا في القدم فلا بأس بالمسح على النعلين".
"مسائل عبد الله" (130).
وقال ابن هانئ: "سألت أبا عبد اللَّه عن الرجل يكون في رجله الجورب بلا نعل، أيمسح عليه؟
قال: نعم، إذا كان لا يسترخي مسح عليه، وعلى النعل، إذا كان عليها جورب، فإذا خلع النعل أو الجورب أحدهما، خلع الوضوء".
"مسائل ابن هانئ" (86).
وقال ابن هانئ: "وسمعته يقول: لا يمسح على النعلين إلا أن يكونا في جوربين".
"مسائل ابن هانئ" (93).
وإن المسح على النعلين ليس من أمر الله تعالى ولا من أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد أمر الله تعالى بغسل الرجلين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 6]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي:
" إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله...الحديث".
وفي رواية "إنها لم تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عزّ وجلّ، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين".
وهو حديث صحيح، أخرجه أبو داود (858)، والنسائي (1136) وغيرهما، وقد استوفيت تخريجه في كتابي "طرق حديث المسيء صلاته" (ص 10).
وقد وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن زيد، وأبو هريرة، وأنس بن مالك، وأبو مالك الأشعري، وأبو بكرة، ووائل بن حجر، وأبو جبير الكندي، والمقدام بن معدي كرب، والربيع بنت معوذ ابن عفراء، وعبد الله بن عباس، والبراء بن عازب، وعبد الله بن عمرو، وأبو رافع، وابن أبي أوفى رضي الله عنهم ليس في حديث واحد منهم المسح على النعلين بل اتفقوا على أنه صلى الله عليه وسلم غسل رجليه، وانظر تخريج حديثهم مفصلا في كتابي "أحاديث الأحكام رواية ودراية" (34)، وسأذكر مختصرًا لحديث كل واحد منهم في هذه العجالة:
حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه "ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين".
متفق عليه.
وأما حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ففيه "ثم غسل رجله اليمنى ثلاثا ورجله الشمال ثلاثا".
حديث صحيح - أخرجه أبو داود (111) و (112) و (113)، والنسائي (91) و (92) و (93) و (94)، وابن أبي شيبة 1/ 8 من طريق عبد خير، عن علي به.
وأما حديث عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه، ففيه "ثم غسل رجليه إلى الكعبين" متفق عليه.
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه ففيه "ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق".
أخرجه مسلم (246 - 34)، وغيره.
وأما حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ففيه "وغسل رجليه إلى الكعبين".
أخرجه البزار (270) - كشف، والدولابي في "الأسماء والكنى" 2/ 510، والدارقطني 1/ 188، والضياء في "المختارة" (1866) و (1867).
وأما حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه ففيه "وغسل قدميه".
أخرجه أحمد 5/ 341 و 342، وعبد الرزاق (2499) وغيرهما.
وأما حديث أبي بكرة رضي الله عنه ففيه "ثم غسل رجليه ثلاثا، وخلل بين أصابع رجله".
أخرجه البزار (3687).
وأما حديث وائل بن حجر رضي الله عنه ففيه "ثم غسل بيمينه قدمه اليمنى ثلاثا وفصل بين أصابعه، أو قال: خلل بين أصابعه ورفع الماء حتى جاز الكعب، ثم رفعه في الساق، ثم فعل باليسرى مثل ذلك".
أخرجه البزار (4488).
وأما حديث أبي جبير الكندي رضي الله عنه ففيه "وغسل رجليه".
أخرجه ابن حبان (1089)، وغيره.
وأما حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه ففيه "وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا".
أخرجه ابن ماجه (457)، وأحمد 4/ 132، وغيرهما.
وأما حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها ففيه "وغسل رجليه ثلاثا".
أخرجه أحمد 6/ 358 و 359، وأبو داود (126)، وغيرهما.
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنه ففيه "ثم أخذ غرفة من ماء، فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى، فغسل بها رجله، يعني اليسرى".
أخرجه البخاري (140).
وأما حديث البراء رضي الله عنه ففيه "وغسل هذه الرجل، يعني اليمنى، ثلاثا، وغسل هذه الرجل ثلاثا، يعني اليسرى".
أخرجه أحمد 4/ 288، وغيره.
وأما حديث ابن عمرو رضي الله عنه ففيه "ثم غسل رجليه ثلاثا ثلاثا".
أخرجه أبو داود (135)، وغيره.
وأما حديث أبي رافع رضي الله عنه ففيه "وغسل رجليه ثلاثا".
أخرجه الروياني في "مسنده" (727)، والطبراني في "الأوسط" (907).
وأما حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه ففيه "وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا".
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4133).
فهذا ما نقله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُألوا أرونا كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيصفوا وضوءه، وأنه غسل رجليه، فإذا كانتا في الخفين وصفوا مسحه عليهما، فلو مسح يومًا على نعليه لنقله الصحب الكرام كما تواتر نقلهم لغسله رجليه والمسح على الخفين، فإذ لم يُنقل بنص صريح صحيح عرفنا عدم مشروعيته، بل قد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من ترك أعقابهم بلا غسل، فقال "ويل للأعقاب من النار" متفق عليه.
وإن ترك العقبين بلا غسل من لوازم المسح على النعلين، فرأيت لزامًا عليّ نصحًا للأمة بيان ما جاء في هذه الرسالة من الوهم والإيهام، وكنت أتردد في ذلك لجلالة الشيخ أحمد شاكر، والعلّامة الألباني إذ هما من أخرجا هذه الرسالة بعد اندثارها، فقد قال الشيخ أحمد شاكر في تقديمه لهذه الرسالة:
"وقد رغب صديقنا السيد الحبيب السلفي الكبير محمد نصيف حفظه الله أن يعيد طبعها بعد أن صارت نادرة الوجود، وكثر الحرص على اقتنائها، رغبة في إذاعة الفائدة منها ... الخ".
وقام الشيخ العلّامة الألباني بالتعليق عليها، فرحم الله الجميع، وأسأله سبحانه أن يفرّج عنا ما أهمنا وأغمنا وأن ينفع إخواننا طلبة العلم خاصة والمسلمين عامة بما جاء من البيان في هذا الرد، والله الموفق.

أحاديث المسح على النعلين غير صالحة للاحتجاج


قال القاسمي (ص 43): "إنه صلوات الله عليه مسح على الجوربين وعلى النعلين كلا على انفراده وأيده في النعلين أحاديث كثيرة مخرجة في دواوين السنة".

قلت: هذا الإطلاق فيه نظر وسيأتي بيانه في الرد على ما يستدل به في جواز المسح على النعلين، كل فقرة على حدة، والذي يهمني من هذا هو استدلاله بأحاديث غير صالحة للاحتجاج بها على جواز المسح على النعلين، وأما المسح على الجوربين فهو مشروع، فإن أحاديث المسح على الخفين متواترة، والخف: هو كل ساترٍ محل فرض الغسل يكون على الرجل تمكن متابعة المشي عليه، وهو الذي تتعلق به الرخصة، وأشار صاحب "العين" إلى أنه سمي خفًا، لأنه يتخففه الإنسان، والخف لا يقتصر على ما كان من الجلد فقط، فهو أيضا يكون من الصوف، هكذا قال صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك رضي الله عنه، فعن الأزرق بن قيس قال:
"رأيت أنس بن مالك أحدث فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه، ومسح على جوربين من صوف فقلت: أتمسح عليهما؟ فقال: إنهما خفان ولكنهما من صوف".
أخرجه أبو بشر الدولابي في "الكنى والأسماء" (1009) أخبرني أحمد بن شعيب، عن عمرو بن علي قال: أخبرني سهل بن زياد أبو زياد الطحان قال: حدثنا الأزرق بن قيس به.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات سوى سهل بن زياد الطحان: وهو صدوق، روى عنه عمرو بن علي الفلاس، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وبشر ابن يوسف، وأحمد بن حنبل، ونعيم بن حماد، وعبيد الله بن يوسف الجبيري، وحفص الربالي، وذكره البخاري في "التاريخ الكبير" 4/ 102-103، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 4/ 197، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في "الثقات" 8/ 291، وقال الإمام أحمد كما في "الكنى" 2/ 560 للدولابي:
 "أبو زياد الطحان لا أعلم إلا خيرا".
وقال أبو يعلى في "مسنده" 12/ 504:
 "سهل بن زياد الحربي بصري ثقة".
وقال البزار في "مسنده" 17/ 219:
"سهل بن زياد وهو رجل بصري حدث عنه غير واحد من أهل البصرة ليس به بأس".
وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" 4/ 1123: "صدوق، قال أبو حاتم: تكلم فيه، وما رأينا إلا خيرا!".
قلت: قول أبي حاتم هذا قالهُ في سهل بن زياد القطان الباهلي الرازي، وترجمته تأتي في "الجرح والتعديل" تحت ترجمة سهل بن زياد الطحان مباشرة، وهو كذلك أيضا في ترجمة القطان من "الميزان" 2/ 238، فهو انتقال نظر من الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى، وقال في "الميزان" 2/ 237:
"ما ضعفوه، له ترجمة في تاريخ الإسلام".
وقال الحافظ في "اللسان" 3/ 118:
 "وفي ثقات ابن حبان سهل بن زياد من أهل البصرة يروي عن داود بن أبي هند، وعنه بشر بن يوسف فالظاهر أنه هو وقال الأزدي: سهل بن زياد الطحان أبو زياد عن سليمان التيمي وطبقته منكر الحديث".
 قلت: تفرّد أبو الفتح الأزدي بهذا، والأزدي نفسه متكلم فيه، قال الذهبي في "الميزان" 1/ 5:
"وأبو الفتح يسرف في الجرح، وله مصنف كبير إلى الغاية في المجروحين، جمع فأوعى، وجرح خلقا بنفسه لم يسبقه أحد إلى التكلم فيهم، وهو المتكلم فيه".
 وقال في "ديوان الضعفاء" (3672):
 "كان صاحب مناكير وغرائب، ضعفه البرقاني".
 وقال في ترجمته من "السير" 16/ 348:
"ضعف جماعة بلا دليل، بل قد يكون غيره قد وثقهم".
 وقال في "السير" أيضا 13/ 389: - بعد نقله تضعيف الأزدي للحارث ابن محمد بن أبي أسامة الحافظ مسند العراق صاحب المسند -: "هذه مجازفة، ليت الأزدي عَرَف ضعف نفسِه".
 وقال في "تذكرة الحفاظ" 3/ 967: "له مصنف كبير في الضعفاء، وهو قوي النفس في الجرح، وهّى جماعةً بلا مستند طائل".
قال الشيخ أحمد شاكر:
"ولم يأتِ دليلٌ من الشارع يدلُّ على حصر الخفاف في التي تكون من الجلد فقط، وقول أنس في هذا أقوى حُجَّةً ألفَ مرّةٍ من أن يقول مثله مؤلّف من مؤلّفي اللغة، كالخليل والأزهري والجوهري وابن سيده وأضرابهم، لأنهم ناقلون للُّغة، وأكثر نقلهم يكون من غير إسناد، ومع ذلك يحتج بهم العلماء، فأولى ثم أولى إذا جاء التفسير اللغوي من مصدر أصلي من مصادر اللغة، وهو الصحابي العربي من الصدر الأول، بإسنادٍ صحيحٍ إليه، وقد أشار الإمام ابن القيم إلى مثل هذا المعنى وإن لم يكن صريحًا تمامًا فيما نقلناه عنه آنفًا، من قوله: "وإنما عمدته هؤلاء الصحابة وصريح القياس، فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرقٌ مؤثر يصحُّ أن يُحالَ الحكم عليه"، فجعل ابن القيم أن الجوربين مقيسان على الخفين قياسًا جَلِيًّا، من غير فرق مؤثر يصح أن يحال الحكم عليه، ولكن المعنى في حديث أنس أدقّ، فليس الأمر قياسًا للجوربين على الخفين، بل هو:
أن الجوربين داخلان في مدلول كلمة الخفين بدلالة الوضع اللغوي للألفاظ على المعاني، والخفان ليس المسح عليهما موضع خلاف، فالجوربان من مدلول كلمة الخفين، فيدخلان فيهما بالدلالة الوضعية اللغوية، وقد ثبت من غير وجه عن أنس أنه مسح على الجوربين، فهو يؤيد رواية الدولابي التي ذكرنا، وانظر "المحلّى" لابن حزم بتحقيقنا (ج 2/ ص 84 - 85)، والحمد لله رب العالمين".


استدلاله بحديث ضعيف جعله أربعة أحاديث!!


1 – قال القاسمي (ص 43): "1- روى الإمام أبو داود في "سننه" عن أوس ابن أبي أوس الثقفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه وقدميه.
2 - وأخرج الإمام أحمد في سننه عن أوس بن أبي أوس قال: رأيت أبي يوما توضأ فمسح على النعلين فقلت له: أتمسح عليهما؟ فقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.
3 - وأخرج الإمام أحمد أيضا عن أوس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه ثم قام إلى الصلاة.
4 - وأخرج الإمام ابن جرير الطبري في "تفسيره" عن أوس أيضا قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فتوضأ ومسح على قدميه (أي: على نعليه فيهما ليوافق روايته السالفة)".

قلت: هذه الأحاديث حديث واحد جعله القاسمي عدة أحاديث!، وهذا الحديث مداره على يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن أوس بن أبي أوس، ووقع فيه اضطراب في إسناده ومتنه، ووالد يعلى بن عطاء العامري مجهول، فهو حديث ضعيف لا يجوز الاحتجاج بمثله، ودونك بيان حاله:
أخرجه أبو داود (160)، ومن طريقه البيهقي 1/ 286 حدثنا مسدد، وعباد بن موسى، قالا: حدثنا هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه - قال عباد - قال: أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على نعليه وقدميه"، وقال عباد: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى كظامة قوم - يعني الميضأة - ولم يذكر مسدد الميضأة والكظامة ثم اتفقا "فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه".
وأخرجه أحمد 4/ 8، ومن طريقه المزي في "تهذيب الكمال" 20/ 134، والمحاملي في "أماليه" (332) حدثنا يعقوب بن إبراهيم، كلاهما (أحمد بن حنبل، ويعقوب بن إبراهيم) عن هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن أوس بن أوس الثقفي، قال:
 "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى كظامة قوم فتوضأ".
وأخرجه أبو عبيد في "الطهور" (388)، والطبراني 1/ (603) من طريق عثمان بن أبي شيبة، وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (124)، والحازمي في "الاعتبار" (ص 61) من طريق سعيد بن منصور، ثلاثتُهم (أبو عبيد، وعثمان بن أبي شيبة، وسعيد بن منصور) عن هشيم، عن يعلى بن عطاء بإسناده بالمسح على القدمين فقط، وصرّح هشيم بالتحديث في "الطهور"، و"الاعتبار".
وقال هشيم: "كان هذا في مبدأ الإسلام".
وأخرجه الحربي في "غريب الحديث" 2/ 1212 عن شجاع بن مخلد الفلاس، عن هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن أوس بن شداد بن أوس:
"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى كظامة قوم فتوضأ منها".
هكذا جاء عند الحربي اسم صحابيّ الحديث أوس بن شداد بن أوس!
وأخرجه أحمد 4/ 8، ومن طريقه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 1/ 309، والطبراني 1/ (607) و (608)، والحازمي في "الاعتبار" (ص 61) [[3]] من طريق شعبة، عن يعلى بن عطاء [[4]]، عن أبيه، عن أوس بن أوس قال:
 "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه، وقام إلى الصلاة".
وإسناده ضعيف، عطاء العامري والد يعلى مجهول، تفرد بالرواية عنه ابنه يعلى، قال ابن القطان في "الوهم والإيهام" 4/ 120:
 "مجهول الحال لا تعرف له رواية إلا هذه، وأخرى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ولا يعرف روى عنه غير ابنه يعلى".
وقال الذهبي في "الميزان" 3/ 78:
"لا يعرف إلا بابنه".
وأخرجه الطبراني 1/ (609) من طريق وكيع، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن ابن أبي أوس، عن جده:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في نعليه".
فسقط من إسناده والد يعلى، وزِيد فيه جد ابن أبي أوس، وليس فيه ذكر المسح لا على الرجلين ولا على النعلين!
وأخرجه أحمد 4/ 9، والطيالسي (1209)، والدولابي في "الكنى" 1/ 42، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 96، وابن حبان (1339)، والطبراني 1/ (605)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 29، والبيهقي 1/ 287 عن حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن أوس الثقفي:
 "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه".
 وقال البيهقي:
"وهو منقطع".
قلت: يعلى بن عطاء لم يدرك أوس بن أبي أوس، بينهما والده عطاء العامري.
وأخرجه أحمد 4/ 10 عن الفضل بن دكين، وابن أبي شيبة 1/ 190، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 97 من طريق محمد بن سعيد، ثلاثتهم (الفضل بن دكين، وابن أبي شيبة، ومحمد بن سعيد الكوفي) عن شريك، عن يعلى بن عطاء، عن أوس بن أبي أوس، قال:
"كنت مع أبي على ماء من مياه العرب، فتوضأ ومسح على نعليه، فقيل له، فقال: ما أزيدك على ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع".

وأخرجه أحمد 4/ 9 عن وكيع، وابن أبي شيبة 14/ 234، ومن طريقه الطبراني 1/ (606) كلاهما (وكيع، وابن أبي شيبة) عن شريك، عن يعلى ابن عطاء، عن أوس بن أبي أوس، عن أبيه به.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده" كما في "نصب الراية" 1/ 171،
و" الدراية في تخريج أحاديث الهداية" 1/ 75 حدثنا شريك، بإسناده بالمسح على الخفين فقط.
وقال الحازمي في "الاعتبار" (ص 62):
"أما الأحاديث الواردة في غسل الرجلين كثيرة جدا مع صحتها، ولا يعارضها مثل حديث يعلى بن عطاء لما فيه من التزلزل، لأن بعضهم رواه عن يعلى، عن أوس، ولم يقل عن أبيه.
وقال بعضهم: عن رجل، ومع هذا الاضطراب لا يمكن المصير إليه، ولو ثبت كان منسوخا، كما قاله هشيم".

تدليس لفظة من حديث تميم المازني تحيله عن معناه


2 - قال القاسمي (ص 44): "وأخرج الطبراني عن عباد بن تميم عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويمسح على رجليه".

قلت: هذا والله عجب منه، كيف استجاز لنفسه حذف لفظة من الحديث تحيل معناه؟!، والأعجب منه أقره على هذا الخطأ كلٌ من الشيخ أحمد شاكر، والعلّامة الألباني، وأما الإتيوبي فقد أخذ هذه الرسالة كاملة بكل ما فيها فوضعها في "ذخيرته" 3/ 196!، وإن لفظ الحديث: "يمسح بالماء على رجليه"، وهذا لقلة الماء، فمعناه أنه يغسل بالماء غسلا خفيفا، فإنه صلى الله عليه وسلم "أتي بثلثي مد ماء فتوضأ، فجعل يدلك ذراعيه"، وهو حديث عبد الله ابن زيد بن عاصم في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وما ذكره القاسمي أخرجه أحمد 4/ 40، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2192)، وابن خزيمة (201)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 1/ 115، والطبراني في "الأوسط" (9332) عن عبد الله بن يزيد أبي عبد الرحمن المقرئ، قال: حدثنا سعيد ابن أبي أيوب، قال: حدثني أبو الأسود، عن عباد بن تميم المازني، عن أبيه أنه قال:
"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويمسح بالماء على رجليه".
وقال الطبراني:
"لا يروى هذا الحديث عن تميم المازني إلا بهذا الإسناد، تفرد به سعيد بن أبي أيوب".
وأخرجه الطبراني في "الكبير" 2/ (1286)، وعنه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 1/ 452 بنفس الإسناد الذي في "المعجم الأوسط" لكن زاد في متنه "ومسح بالماء على لحيته ورجليه"، والراوي عن أبي عبد الرحمن المقرئ: شيخ الطبراني واسمه هارون بن ملول، وقد وقع مصغّرًا في معجم ابن شاهين، فإنه قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن جامع العسكري، حدثنا هارون بن عيسى بن مُليَّل.
وعيسى هو ملُّول، كان يلقّب به. قاله الحافظ في "تبصير المنتبه" 4/ 1317.
قال الخطيب في "غنية الملتمس" (ص 413):
"هارون بن عيسى بن يحيى، أبو محمد التجيبي، المصري، كان أبوه يعرف بملول، حدث عن: حفص بن عمر العدني، وأبي عبد الرحمن المقرئ،
 وعبد الله بن عبد الحكم، وغيرهم.
روى عنه: ابنه علي، وأبو القاسم الطبراني، وكافة المصريين".
وقال ابن الجوزي في "المنتظم" 12/ 397:
"كان من عقلاء الناس ثقة في الحديث".
وأخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 35 من طريق عمرو بن خالد، وابن شاهين في "ناسخ الحديث ومنسوخه" (ص 120) من طريق
 عبد الغفار بن داود، كلاهما عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عباد بن تميم، عن عمه:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح القدمين، وأن عروة كان يفعل ذلك".
وابن لهيعة: سيء الحفظ.
وأخرجه الطيالسي (1195)، وعنه أحمد 4/ 39، وابن حبان (1082) من طريق يحيى بن سعيد، والروياني في "مسنده" (1009)، وابن خزيمة (118)، وابن حبان (1083)، والحاكم 1/ 144 و161 - 162، والبيهقي 1/ 196 من طريق ابن أبي زائدة، والبيهقي أيضا 1/ 196 من طريق أبي خالد الأحمر، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 32 خمستُهم (الطيالسي، ويحيى بن سعيد، وابن أبي زائدة، وأبو خالد الأحمر، ومعاذ بن معاذ) عن شعبة، قال: حدثنا حبيب بن زيد الأنصاري، قال: سمعت عباد ابن تميم، يحدث عن عبد الله بن زيد، قال:
"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فدلك ذراعيه".
وفي رواية ابن أبي زائدة " أتي بثلثي مد ماء فتوضأ، فجعل يدلك ذراعيه".
وفي رواية أبي خالد الأحمر " توضأ بنحو من ثلثي المد".
ولفظ الطحاوي "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بوضوء، فدلك أذنيه حين مسحهما".
وقال الحاكم:
"صحيح على شرط الشيخين".
وقال في موضع آخر: "حديث صحيح على شرط مسلم، فقد احتج بحبيب ابن زيد، ولم يخرجاه" وأقره الذهبي.
قلت: لم يخرج الشيخان لحبيب بن زيد شيئا.
وأخرجه أبو داود (94)، ومن طريقه البيهقي 1/ 196، والنسائي (74)، وفي "الكبرى" (76) عن محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن حبيب الأنصاري قال سمعت عباد بن تميم، عن جدتي وهي أم عمارة:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأتي بإناء فيه ماء قدر ثلثي المد".
وقال النسائي:
 "قال شعبة: فأحفظ أنه غسل ذراعيه، وجعل يدلكهما، ويمسح أذنيه باطنهما ولا أحفظ أنه مسح ظاهرهما".
وقال البيهقي:
"هكذا رواه محمد بن جعفر غندر عن شعبة وخالفه غيره في إسناده".
وقال: "قال أبو زرعة الرازي: الصحيح عندي حديث غندر".
وقد استوفيت تخريج هذا الحديث في كتابي "أحاديث الأحكام رواية ودراية" رقم (34)، والخلاصة أن معنى قوله (يمسح بالماء على رجليه) أي: يغسل به غسلا خفيفا، وقد جاء الوعيد على ترك إسباغ الوضوء، وسيأتي تخريجه في آخر هذا البحث، وأن استيعاب الرجلين بالغسل واجب، وقد يأت المسح في كلام العرب بمعنى الغسل.
قال الخطابي في "معالم السنن" 1/ 50:
"أخبرني الأزهري حدثنا أبو بكر بن عثمان، عن أبي حازم، عن أبي زيد الأنصاري قال: المسح في كلام العرب يكون غسلا ويكون مسحا، ومنه يقال للرجل إذا توضأ فغسل أعضاءه قد تمسح، ويقال مسح الله ما بك أي: أذهبه عنك وطهرك من الذنوب".


المسح في حديث ابن عمر على ظهور القدمين معناه المسح على الجوربين


3 - قال القاسمي (ص 44): "وروى البزار بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يتوضأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما ويقول: كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل (أورده الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الهداية) وقال السيوطي في التدريب: صحح أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك ابن القطان صاحب كتاب (الوهم والإيهام) حديث ابن عمر هذا المخرج في مسند البزار".

قلت: جاء التصريح في رواية الطحاوي أن المسح على ظهور القدمين وليس على النعلين، فيفهم من الحديث أن المسح على نعلين تحتهما جوربان، ودونك بيانه، فحديث ابن عمر "أنه كان يتوضأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما ويقول: كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل".
أخرجه البزار (5918) من طريق روح بن عبادة، عن ابن أبي ذئب، عن نافع به.
وقال البزار:
"وهذا الحديث لا نعلم رواه عن نافع إلا ابن أبي ذئب، ولا نعلم رواه عنه إلا روح، وإنما كان يمسح عليهما لأنه توضأ من غير حدث، وكان يتوضأ لكل صلاة من غير حدث فهذا معناه عندنا".
ورجاله ثقات، رجال الشيخين، وليس كما قال البزار، فلم يتفرّد به روح، فقد تابعه محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك:
أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 35 و97 من طريق أحمد بن الحسين اللهبي، قال: حدثنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن نافع:
"أن ابن عمر، كان إذا توضأ ونعلاه في قدميه، مسح على ظهور قدميه بيديه ويقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هكذا".
وإسناده ثقات، أحمد بن الحسين اللهبي أبو الفضل المدني القرشي: قال الحافظ الجارودي: "أحمد بن الحسين اللهبي الثقة المأمون" كما في "مغاني الأخيار" 1/ 28 للعيني.
فهذا اختلاف في لفظ الحديث على ابن أبي ذئب، ففي رواية روح بن عبادة عنه "كان يتوضأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما"، وفي رواية ابن أبي فديك عنه "مسح على ظهور قدميه بيديه"، فصرّح هنا أن المسح على ظهور القدمين وليس على النعلين، فتكون رواية ابن أبي فديك أوضح من رواية روح بن عبادة، وأن المسح على نعلين تحتهما جوربان.

بيان شذوذ لفظة (يمسح عليها) أي: النعال السبتية، وأنه محفوظ بلفظ "يتوضأ فيها"


4- قال القاسمي (ص 45): "وروى البيهقي بإسناد جيد عن ابن عمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها (يعني النعال السبتية) ويتوضأ فيها ويمسح عليها. نقله الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الهداية.
وروى الشيخان البخاري ومسلم عن عبيد بن جريج عن عبد الله بن عمر أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال السبتية التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأحب أن ألبسها.
 ومعنى قوله: يتوضأ فيها أنه يمسح عليها كما أوضحته رواية البزار والبيهقي قبل، والروايات يفسر بعضها بعضا، وأما قول البخاري: معناه غسل الرجلين في النعلين فرده الحافظ الإسماعيلي كما نقله العيني وذلك لمخالفته لما روي عن ابن عمر نفسه".

قلت: كلام القاسمي يوهم أن إسناد البيهقي غير إسناد الشيخين، وأن الحديثين متغايران، وفي الحقيقة هما حديث واحد، أخرجه ابن خزيمة (199)، ومن طريقه البيهقي 1/ 287 حدثنا عبد الجبار بن العلاء، حدثنا سفيان، حدثنا محمد بن عجلان، عن سعيد، عن عبيد بن جريج قال: قيل لابن عمر:
رأيناك تفعل شيئا لم نر أحدا يفعله غيرك، قال: وما هو؟ قال: رأيناك تلبس هذه النعال السبتية، قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويتوضأ فيها، ويمسح عليها".
وقال البيهقي:
"وهذه الزيادة إن كانت محفوظة فلا تنافي غسلهما، فقد يغسلهما في النعل ويمسح عليهما كما مسح بناصيته وعلى عمامته والله أعلم".
قلت: هي زيادة شاذة، وهذا الحديث محفوظ ليس فيه "ويمسح عليها"، فله طريقان آخران عن سفيان بن عيينة، عن ابن عجلان، وتابع ابن عجلان في عدم ذكرها، عبيد الله بن عمر، ومالك بن أنس، وعبد الملك بن جريج، وعبد الله بن عمر، وإسماعيل بن أمية، أما المحفوظ عن ابن عجلان هو ما أخرجه الحميدي (666)، والفاكهي في "أخبار مكة" (99) حدثنا محمد ابن أبي عمر، كلاهما (الحميدي، ومحمد بن أبي عمر) عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري بإسناده، بلفظ "وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فيها ويلبسها".
 وأما الطرق الأخرى عن سعيد المقبري، فقد أخرجه البخاري (166) و (5851)، ومسلم (1187-25)، وأبو داود (1772)، والترمذي في "الشمائل" (74)، والنسائي (117) و (2760) و (2950)، وأحمد 2/ 66 و110، والشافعي في "السنن المأثورة" (503)، وعبد الرزاق (787)، والطحاوي في "شرح المعاني" 2/ 184، وأبو عوانة (3690)، والطبراني 12/ (13314)، وابن حبان (3763)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" (ص 136)، والبيهقي 1/ 287 و5/ 31، 76، وفي "المعرفة" (9828)، والبغوي (1870)، والمزي في "تهذيب الكمال" 19/ 194 من طريق مالك (وهو عنده في "الموطأ" 1/ 333) عن سعيد بن أبى سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج، أنه قال لعبد الله بن عمر:
"يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها؟ قال: ما هن؟ فذكرهن وقال فيهن: رأيتك تلبس النعال السبتية.
قال: أما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها".
وأخرجه عبد الرزاق (787)، ومن طريقه الطبراني 12/ (13314) مقرونا بمالك: عبد الله بن عمر، عن سعيد المقبري به.
وأخرجه أحمد 2/ 17-18، وأبو عوانة (3691)، والطبراني 12/ (13315) من طريق عبيد الله بن عمر العمري، حدثني سعيد بن أبي سعيد، عن جريج أو ابن جريج، عن ابن عمر، وفيه "أما لبسي هذه النعال السبتية: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبسها، يتوضأ فيها".
وأخرجه النسائي (117) و (2760) و (2950)، وفي "الكبرى" (117) و (3917) مقرونا بعبيد الله: مالك وابن جريج، به، ليس فيه شك في اسم عبيد بن جريج.
وأخرجه الطبراني 12/ (13314) من طريق إسماعيل بن أمية، عن سعيد المقبري به.
وله طرق أخرى عن عبيد بن جريج:
1 - أخرجه أبو بكر الشافعي في "الغيلانيات" (465) من طريق زيد بن أسلم، عن عبيد بن جريج به.
2 - أخرجه مسلم (1187-26)، والحربي في "غريب الحديث"
 3/ 1187، وأبو عوانة (3133) من طريق يزيد بن قسيط، عن عبيد بن جريج به.
3 - أخرجه الطرسوسي في "مسند ابن عمر" (6) من طريق عبد الله بن سعيد، عن عبيد بن جريج به.
الخلاصة: قد تقرّر أن قوله "يمسح عليها" زيادة شاذة، فلم يبقى إلا قوله "يتوضأ فيها"، فهل يُؤخذ من هذا أنه كان يمسح عليها كما قال القاسمي؟!، أم أنه كان يغسل رجليه في النعلين، وهو معنى قوله "كان يتوضأ فيها"، فإن قوله (فيها) يدل على الغسل ولو أريد المسح لقال (عليها) كما قال الحافظ في "الفتح" 1/ 268، والأحاديث يفسر بعضها بعضا، فقد جاء حديثان يبينان معنى قوله يتوضأ فيها:
الأول: من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
 أخرجه أبو داود (117)، ومن طريقه البيهقي 1/ 53، 54 من طريق محمد بن سلمة، والبزار (463) من طريق عبد الرحمن بن محمد المحاربي، وأحمد 1/ 82 - 83، والبزار (464)، وأبو يعلى (600)، وابن خزيمة (153)، وعنه ابن حبان (1080)، والبيهقي 1/ 74 عن إسماعيل بن إبراهيم، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 32 و 34 و 35 من طريق عبدة ابن سليمان، أربعتُهم (محمد بن سلمة، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، وابن علية، وعبدة بن سليمان) عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن عبيد الله الخولاني، عن ابن عباس قال: "دخل عليّ عليُ ابن أبي طالب، وقد أهراق الماء فدعا بوضوء، فأتيناه بتور فيه ماء، حتى وضعناه بين يديه، فقال: يا ابن عباس، ألا أريك كيف كان يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، قال: فأصغى الإناء على يده فغسلها، ثم أدخل يده اليمنى فأفرغ بها على الأخرى، ثم غسل كفيه، ثم تمضمض واستنثر، ثم أدخل يديه في الإناء جميعا، فأخذ بهما حفنة من ماء فضرب بها على وجهه، ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه، ثم الثانية، ثم الثالثة مثل ذلك، ثم أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء، فصبها على ناصيته فتركها تستن على وجهه، ثم غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثا ثلاثا، ثم مسح رأسه وظهور أذنيه، ثم أدخل يديه جميعا فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله، وفيها النعل ففتلها بها، ثم الأخرى مثل ذلك قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين، قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين، قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين" والسياق لأبي داود.
وإسناده حسن فقد صرّح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد، وأبي يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي.
قد يُقال إن قوله (أخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله، وفيها النعل ففتلها بها) هذا هو المسح عليها، فأقول: إن ابن عباس أخذ هذا الوضوء من علي بن أبي طالب، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ على هذه الصفة، وفيه توضيح ما قد يُستشكل من حديث علي، وهو الحديث الثاني، ولو كان هذا هو المسح فما معنى قوله "أخذ حفنة من ماء"؟!، فإن الذي يريد المسح على قدمه لا يحتاج حفنة من ماء، فيكفيه ما دونها، وأما حديث ابن عباس:
فأخرجه البخاري (140)، وأحمد 1/ 268، والبيهقي 1/ 53 من طريق سليمان بن بلال، والبخاري (157)، وأبو داود (138)، والترمذي (42)، والنسائي (80)، وفي "الكبرى" (85)، وابن ماجه (411)، وأحمد 1/ 233 و 365، وعبد الرزاق في "المصنف" (28)، وفي "الأمالي في آثار الصحابة" (115)، وأبو عبيد في "الطهور" (103)، وعبد بن حميد (702) - المنتخب، والدارمي (696) و (711)، وابن الجارود في "المنتقى" (69)، وابن المنذر في "الأوسط" (406)، وأبو بكر الباغندي في "الأمالي" (25)، والطحاوي 1/ 29، وابن حبان (1095)، والبيهقي
 1/ 80، والبغوي (226) من طرق عن سفيان الثوري، والترمذي (36)، والنسائي (102)، وفي "الكبرى" (106)، وابن ماجه (439)، وابن أبي شيبة 1/ 9 و 10 و 17 و 21 و 38، وأبو عبيد في "الطهور" (86)، وأبو يعلى (2486)، وابن المنذر في "الأوسط" (358) و (368) و (399) و (400)، وابن خزيمة (148)، وابن حبان (1078) و (1086)، والبيهقي 1/ 55 و 67 و 73 و 236 من طريق محمد بن عجلان، وأبو داود (137)، والطبراني 10/ (10759)، والبيهقي 1/ 58 و 72، وفي "المعرفة" (679) من طريق هشام بن سعد، والنسائي (101)، وفي "الكبرى" (93) و (170)، وابن ماجه (403)، وأبو عبيد في "الطهور" (105) و (294) و (351)، والدارمي (697)، وأبو يعلى (2670) و (2672)، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 32 و 35، وابن خزيمة (171)، وابن حبان (1076)، والبيهقي 1/ 50 و 72، وفي "المعرفة" (678) من طريق عبد العزيز الدراوردي، وأحمد 1/ 332،
وعبد الرزاق في "المصنف" (127)، وفي "الأمالي في آثار الصحابة" (115)، وابن الجارود في "المنتقى" (69)، والبيهقي 1/ 80 عن داود بن قيس، وأحمد 1/ 336، وعبد الرزاق في "المصنف" (126)، وفي "الأمالي في آثار الصحابة" (115)، وابن الجارود في "المنتقى" (69)، والبيهقي
 1/ 80 عن معمر، والطبراني في "المعجم الأوسط" (714) من طريق روح ابن القاسم، ثمانيتُهم (سليمان بن بلال، وسفيان الثوري، ومحمد بن عجلان، وهشام بن سعد، والدراوردي، وداود بن قيس، ومعمر، وروح بن القاسم) تامًا ومختصرًا عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس:
"أنه توضأ فغسل وجهه، أخذ غرفة من ماء، فمضمض بها واستنشق، ثم أخذ غرفة من ماء، فجعل بها هكذا، أضافها إلى يده الأخرى، فغسل بهما وجهه، ثم أخذ غرفة من ماء، فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة من ماء، فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه، ثم أخذ غرفة من ماء، فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى، فغسل بها رجله، يعني اليسرى، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ" واللفظ للبخاري.
وفي لفظ " ثم أخذ حفنة ماء فرش على قدميه وهو منتعل"، وقد جاء تفسيره عند البخاري وغيره بلفظ "ثم أخذ غرفة من ماء، فرش على رجله اليمنى حتى غسلها".
وفي رواية عند أبي داود (137) "ثم قبض قبضة أخرى من الماء فرش على رجله اليمنى، وفيها النعل، ثم مسحها بيديه يد فوق القدم ويد تحت النعل، ثم صنع باليسرى مثل ذلك".


استدلال القاسمي بلفظ شاذ في حديث علي رضي الله عنه


5 - قال القاسمي (ص 46): "وروى الدارمي في مسنده عن عبد خير قال: رأيت عليا توضأ ومسح على نعلين فوسع ثم قال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت لرأيت أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما".

قلت: أخرجه الدارمي (715) أخبرنا أبو نعيم، حدثنا يونس، عن أبي إسحاق، عن عبد خير به.
وقال الدارمي:
"هذا الحديث منسوخ بقوله تعالى ﴿وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين﴾ ".
قلت: الحديث بهذا اللفظ شاذ، وهو محفوظ عن عبد خير بغسل الرجلين، قال العلّامة الألباني:
"في إسناده عند الدارمي (1 / 181) أبو إسحاق وهو السبيعي وهو مدلس مع اختلاطه، وقد رواه عن عبد خير معنعنا، وخالفه خالد بن علقمة الهمداني - وهو ثقة - فرواه عن عبد خير بلفظ "غسل رجله اليمنى ثلاثا ورجله الشمال ثلاثا".
أخرجه أبو داود وغيره، إسناده صحيح وصححه ابن حبان (رقم 150 - موارد) وقد خرجته في (صحيح أبي داود)".
قلت: وقد أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائده" على "المسند" 1/ 127، وأبو يعلى (500) من طريق أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، قال: ذكر عبد خير، عن علي، مثل حديث أبي حية، وفيه:
"وغسل قدميه إلى الكعبين"، واختصره الترمذي (49) وقال: "حديث حسن صحيح"، والبزار (947)، وتابعه عبد الملك بن سلع:
أخرجه النسائي في "الكبرى" (161)، وعبد الله بن أحمد في "زوائده" على "المسند" 1/ 113 و 123 - 124 من طريق مسهر، وأحمد 1/ 110 حدثنا مروان، كلاهما عن عبد الملك بن سلع، عن عبد خير، قال:
"صلينا مع علي الفجر، فلما سلم قام وقمنا معه، فجاء يمشي حتى انتهى إلى الرحبة، فجلس وأسند ظهره إلى الحائط فرفع رأسه، فقال: يا قنبر ائتني بالركوة، والطست فجاء قنبر، فقال له: ضع فوضع الطست، ثم قال له: صب فصب عليه فغسل كفيه ثلاثا ثلاثا، ثم قال له: ضع فوضع الركوة  فأدخل يده اليمنى فأخذ ملء كفه ماء فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا، ثم أدخل كفه فغسل وجهه ثلاثا، ثم أدخل كفه اليمنى فغسل ذراعه الأيمن ثلاثا، ثم أدخلها فغسل ذراعه الأيسر ثلاثا، ثم أدخل كفه اليمنى فبسط أصابعه في الماء بسطا، ثم رفعها فمسحها على كفه اليسرى كمسحك بيديك بالدهن، ثم مسح بهما رأسه وأذنيه، وغسل رجليه ثلاثا، ثم أدخل كفه اليمنى فأخذ ملأها ماء فشربها، ثم التفت إلينا، فقال: هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببت أن أريكموه".

وقال القاسمي (ص 46): "وروى ابن خزيمة من طريق عبد خير عن علي رضي الله عنهب أنه دعا بكوز من ماء ثم توضأ وضوءا خفيفا ومسح على نعليه، ثم قال: هكذا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم للطاهر ما لم يحدث". وتبعه ابن حبان على ذلك وقال في حديث أوس المتقدم: هذا كان في النفل".

قلت: أخرجه أحمد 1/ 120، ومن طريقه القطيعي في "جزء الألف دينار" (63)، والبيهقي 1/ 75 عن ابن الأشجعي، وابن خزيمة (200)، والبيهقي 1/ 75 من طريق إبراهيم بن أبي الليث، كلاهما عن عبيد الله بن
عبيد الرحمن الأشجعي، عن سفيان، عن السدي، عن عبد خير، عن علي:
" أنه دعا بكوز من ماء ثم قال: أين هؤلاء الذين يزعمون أنهم يكرهون الشرب قائما قال: فأخذه فشرب وهو قائم ثم توضأ وضوءا خفيفا ومسح على نعليه ثم قال: هكذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم للطاهر ما لم يحدث".
وهذا إسناد حسن، ابراهيم بن أبي الليث: متروك الحديث، ويُنظر "لسان الميزان" 1/ 337
وابن الأشجعي هو أبو عبيدة بن عبيد الله بن عبيد الرحمن: مقبول كما في "التقريب"، والذي يظهر أنه حسن الحديث، فقد روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو عُمَير عيسى بن محمد بن النحاس الرملي، وعيسى بن يونس الطرسوسي، وأبو زهير محمد بن إسحاق المروذي، وذكره ابن حبان في "الثقات" 8/ 434، وسماه: عباد بن عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي، وقال:
"من أهل الكوفة يروي عن أبيه ووكيع، روى عنه إبراهيم بن عرعرة، وعيسى ابن محمد المروزي".
وعلى فرض عدم مخالفة هذه الرواية لما هو منقول وثابت عن علي، فقد صرّح رضي الله عنه أن هذا وضوء من لم يحدث، وأما وضوء المحدث ففرضه غسل الرجلين، وأن معنى الوضوء في حديث علي منصرف إلى المعنى اللغوي لا الشرعي، وقد تقدّم معنا أن المحفوظ عن عبد خير بغسل الرجلين، وجاءت هذه القصة من طريق أخرى بالمسح على الرجلين، وليس على النعلين:
أخرجه البخاري (5615)، وأبو داود (3718)، وأحمد 1/ 144،
 وأبو يعلى (309)، والبزار (780)، والطحاوي 4/ 273، وابن خزيمة (16)، والبيهقي 4/ 282 من طريق مسعر، والبخاري (5616)، والنسائي (130)، وفي "الكبرى" (132)، والطيالسي (141) و (144)، وأحمد 1/ 123 و139 و153، والبزار (782)، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (459)، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 34 و4/ 273، والطبري في "تفسيره" (11326)، وابن خزيمة (16)، والبيهقي 1/ 75، والبغوي في "شرح السنة" (3047) عن شعبة، وعبد الله بن أحمد في
"زياداته" على "المسند" 1/ 159، وأبو يعلى (368)، وعنه ابن حبان (1057)، وابن خزيمة (16) و (202) من طريق منصور، والترمذي في "الشمائل" (210)، وأحمد 1/ 78، وعبد الله بن أحمد في "زياداته" على "المسند" 1/ 159، والبزار (781) من طريق الأعمش، أربعتُهم تاما ومختصرا عن عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة قال:
"صليت مع علي الظهر، ثم انطلق إلى مجلس كان يجلسه في المدينة، فقعد وقعدنا حوله حتى حضرت العصر، فأتي بإناء فيه ماء، فأخذ منه كفا فتمضمض، ثم استنشق ومسح وجهه وذراعيه، ومسح برأسه، ومسح برجليه، ثم قام فشرب فضل إنائه، ثم قال: إني حدثت أن رجالا يكرهون أن يشرب أحدهم وهو قائم، وإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وهذا وضوء من لم يحدث".
وقال الطحاوي:
" وليس في هذا الحديث عندنا دليل أن فرض الرجلين هو المسح، لأن فيه أنه قد مسح وجهه، وكان ذلك المسح هو غسلا فكذلك يحتمل أن يكون مَسْحه لرجليه كذلك".
قلت: وهو كما قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى أن المسح هَهُنَا معناه الغسل الخفيف فإنه t مسح وجهه وذراعيه ومسح برأسه، ومسح برجليه، يعني تمسح بالماء في كل الأعضاء، وبيانه في الرواية التالية:
عن ربعي بن حراش: أن علي بن أبي طالب، قام خطيبا في الرحبة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما شاء الله أن يقول ثم دعا بكوز من ماء فتمضمض منه، وتمسح، وشرب فضل كوزه وهو قائم، ثم قال: بلغني أن الرجل منكم يكره، أن يشرب وهو قائم، وهذا وضوء من لم يحدث ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هكذا".
أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائده" في "المسند" 1/ 102 حدثنا أبو عبيدة بن فضيل بن عياض، - وقال لي: هو اسمي وكنيتي - حدثنا مالك ابن سعير - يعني ابن الخمس - حدثنا فرات بن أحنف، حدثنا أبي، عن ربعي به.
وهذا إسناد حسن، الأحنف أبو بحر الهلالي: قال الحسيني في "الإكمال" (ص 15): "كوفي أدرك الجاهلية، وروى عن عبد الله بن بشر الهلالي وربعي ابن حراش عن علي، وعنه ابنه فرات وشعبة والمسعودي، قال: ابن معين ثقة".
 وذكره ابن حبان في "الثقات" 4/ 56.
وابنه فرات بن أحنف: ضعفه أبو داود، والنسائي.
وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه ولا الاحتجاج به.
ووثقه ابن معين، والعجلي، وابن شاهين.
وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عنه فقال هو كوفي صالح الحديث".
وأبو عبيدة بن الفضيل بن عياض: قال ابن الجوزي: ضعيف.
قال الذهبي في "الميزان" 4/ 549:
 "وثقه الدارقطني فلا يلتفت إلى كلام ابن الجوزي".
وقال الحافظ في "اللسان" 9/ 119:
"وذَكَره ابن حِبَّان في "الثقات" وأخرج حديثه في "صحيحه" وكذلك الحاكم، ولم يذكره أحد ممن صنف في الضعفاء.
ثم رأيت سلف ابن الجوزي فقرأت بخطه في كتاب "الأباطيل" للجورقاني لما ذكر حديثا من طريق أبي عبيدة هذا عن مالك بن سعير عن ثور بن يزيد حَدَّثَنا عبد الرحمن بن أبي مسلم عن عطية بن قيس، عَن أبي بن كعب قال: علمت رجلا سورة من القرآن ... الحديث.
وقال بعده: هذا حديث باطل وعبد الرحمن وأبو عبيدة ضعيفان كذا قال!".
وقال البيهقي - بعد روايته قول علي رضي الله عنه "هكذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم للطاهر ما لم يحدث" -:
"في هذا دلالة على أن ما روي عن علي في المسح على النعلين إنما هو في وضوء متطوع به لا في وضوء واجب عليه من حدث يوجب الوضوء، أو أراد غسل الرجلين في النعلين، أو أراد المسح على جوربيه ونعليه كما رواه عنه بعض الرواة مقيدا بالجوربين، وأراد به جوربين منعلين، فثابت عنه رضي الله عنه غسل الرجلين، وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل الرجلين والوعيد على تركه وبالله التوفيق".
وقال ابن القيم في "تهذيب السنن" 1/ 142- بحاشية عون المعبود:
 "الرجل لها ثلاثة أحوال:
 حال تكون في الخف فيجزي مسح ساترها.
 وحال تكون حافية فيجب غسلها، فهاتان مرتبتان وهما كشفها وسترها ففي حال كشفها لها أعلى مراتب الطهارة وهي الغسل التام وفي حال استتارها لها أدناها وهي المسح على الحائل.
 ولها حالة ثالثة: وهي حالما تكون في النعل وهي حالة متوسطة بين كشفها وبين سترها بالخف، فأعطيت حالة متوسطة من الطهارة وهي الرش فإنه بين الغسل والمسح، وحيث أطلق لفظ المسح عليها في هذه الحال فالمراد به الرش لأنه جاء مفسرا في الرواية الأخرى، وهذا مذهب كما ترى لو كان يعلم قائل معين، ولكن يحكى عن طائفة لا أعلم منهم معينا".
قلت: وهو مذهب قوي وأدلته صحيحة، لكن معنى الرش هو الغسل الخفيف، فقد جاءت رواية عند البخاري (140) تفسّر معنى الرش، وهذا آخر ما استدل به القاسمي على جواز المسح على النعلين، وجاء أثرٌ عن علي رضي الله عنه:
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (784) عن الثوري، وابن أبي شيبة
 1/ 190 عن ابن إدريس، وابن المنذر في "الأوسط" (276)، والبيهقي 1/ 288 من طريق ابن نمير، ثلاثتُهم تاما ومختصرا عن الأعمش، عن أبى ظبيان قال:
"رأيت على بن أبى طالب بالرحبة بال قائما حتى أرغى، فأتى بكوز من ماء فغسل يديه واستنشق وتمضمض وغسل وجهه وذراعيه، ومسح برأسه ثم أخذ كفا من ماء فوضعه على رأسه حتى رأيت الماء ينحدر على لحيته، ثم مسح على نعليه ثم أقيمت الصلاة فخلع نعليه، ثم تقدم فأم الناس".
قال ابن نمير: قال الأعمش: فحدثت إبراهيم قال: إذا رأيت أبا ظبيان فأخبرني، فرأيت أبا ظبيان قائما في الكناسة فقلت: هذا أبو ظبيان فأتاه فسأله عن الحديث.
وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 123 حدثنا ابن إدريس، عن الأعمش، وحصين، عن أبي ظبيان قال: "رأيت عليا بال قائما".
وأخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 97 من طريق شعبة، والبيهقي 1/ 287 من طريق سفيان، كلاهما عن سلمة بن كهيل، عن أبي ظبيان:
"أنه رأى عليا بال قائما، ثم دعا بماء فتوضأ، ومسح على نعليه، ثم دخل المسجد، فخلع نعليه ثم صلى".
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (783) عن معمر، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي ظبيان الجنبي قال:
"رأيت عليا بال قائما حتى أرغى، ثم توضأ ومسح على نعليه، ثم دخل المسجد فخلع نعليه فجعلهما في كمه، ثم صلى".
قال معمر: ولو شئت أن أحدث أن زيد بن أسلم حدثني عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، صنع كما صنع علي فعلت.
قلت: وفي قول معمر (ولو شئت أن أحدث أن زيد بن أسلم حدثني عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، صنع كما صنع علي فعلت) حل لما أشكل في أثر علي هذا، فقد تقدّم معنا في الفقرة الرابعة حديث زيد ابن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، وفيه أنه "أخذ غرفة من ماء، فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى، فغسل بها رجله، يعني اليسرى، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ" واللفظ للبخاري (140).
ومن طريق زيد بن أسلم رواه معمر، وسليمان بن بلال، وسفيان الثوري، ومحمد بن عجلان، وهشام بن سعد، والدراوردي، وداود بن قيس، وروح ابن القاسم.
وفي لفظ " ثم أخذ حفنة ماء فرش على قدميه وهو منتعل"، وقد جاء تفسيره عند البخاري وغيره بلفظ "ثم أخذ غرفة من ماء، فرش على رجله اليمنى حتى غسلها".
وفي رواية عند أبي داود (137) "ثم قبض قبضة أخرى من الماء فرش على رجله اليمنى، وفيها النعل، ثم مسحها بيديه يد فوق القدم ويد تحت النعل، ثم صنع باليسرى مثل ذلك".
فمعنى مسحُ عليٍّ t على نعليه، أي: غسل رجليه في النعلين، وأما ما أخرجه ابن عدي في "الكامل" 4/ 117، ومن طريقه البيهقي 1/ 286 فحديث ضعيف، منكر بالمسح على النعل، يرويه رواد بن الجراح، عن سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس:
 "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ومسح على نعليه".
وقال البيهقي هكذا رواه رواد بن الجراح، وهو ينفرد عن الثوري بمناكير هذا أحدها، والثقات رووه عن الثوري دون هذه اللفظة".
قلت: رواد بن الجراح: في حديثه عن الثوري ضعف شديد، وتابعه زيد بن الحباب عند البيهقي 1/ 286، وهو يخطئ في حديث الثوري، والمتابع له شديد الضعف لا يصلح للاعتبار كما هو معروف في المصطلح، وراجع تخريج حديث ابن عباس في الفقرة الرابعة يتضّح لك نكارة هذه اللفظة مما لا يدع معه مجالا للشك، وقد جاء الوعيد على ترك إسباغ الوضوء، فقد أخرج البخاري (60) و(96) و (163)، ومسلم (241-27) من حديث عبد الله بن عمرو أنه قال:
"تخلف عنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها فأدركنا، وقد أرهقتنا الصلاة، ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: "ويل للأعقاب من النار" مرتين أو ثلاثا".
ولمسلم (241-26) "رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر، فتوضئوا وهم عجال فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء".
قوله (أعقابهم تلوح) أي: يظهر للناظر فيها بياض لم يصبه الماء مع إصابته سائر القدم، والأعقاب: جمع عقب، بفتح فكسر: مؤخر القدم.
وقوله (أسبغوا الوضوء) من الإسباغ، أي: أتموه، وعمموه لجميع أجزاء الوضوء.
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا لم يغسل عقبيه فقال: "ويل للأعقاب من النار".
أخرجه مسلم (242-28).
وقال محمد بن زياد: "كان أبو هريرة t يمر بنا والناس يتوضؤون من المطهرة، قال: أسبغوا الوضوء، فإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال: "ويل للأعقاب من النار".
 أخرجه البخاري (165)، ومسلم (242-29).

استُدل بحديثين غير صالحين للاستدلال بهما


إتمامًا لما سبق: استُدل أيضا بحديثين، الأول منهما حديث هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة، وهو حديث حكم عليه أئمة الحديث بأنه منكر، والثاني حديث أبي سعيد الخدري وهو ضعيف:
 أما حديث المغيرة:
فأخرجه أبو داود (159)، والترمذي (99)، وابن ماجه (559)، والنسائي في "الكبرى" (129)، وأحمد 4/ 252، وابن أبي شيبة 1/ 188 و 14/ 233، ومسلم في "التمييز" (79)، وابن خزيمة (198)، والطبراني 20/ (996)، عن وكيع، وعبد بن حميد (398) - المنتخب من طريق الضحاك ابن مخلد، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 97، والطبراني 20/ (995)، وفي "الأوسط" (2666)، وابن خزيمة (198)، والعقيلي في "الضعفاء" 1/ 327، والبيهقي 1/ 283 - 284 و 284 من طريق أبي عاصم، والطبراني 20/ (996)، وابن خزيمة (198)، وعنه ابن حبان (1338) من طريق زيد بن الحباب، والطبراني 20/ (996) من طريق عبد الحميد الحماني، وابن المبارك، ستتُهم عن سفيان، عن أبي قيس الأودي، عن الهزيل ابن شرحبيل الأودي، عن المغيرة بن شعبة:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ، ومسح على الجوربين والنعلين".
وهذا شاذ، قال أبو داود:
"كان عبد الرحمن بن مهدي: لا يحدث بهذا الحديث لأن المعروف عن المغيرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين".
وقال الترمذي:
"هذا حديث حسن صحيح".
وقال النسائي:
"ما نعلم أن أحدا تابع أبا قيس على هذه الرواية والصحيح عن المغيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والله أعلم".
وقال الطبراني:
"لم يرو هذا الحديث عن أبي قيس إلا سفيان".
وقال البيهقي:
"قال أبو محمد: رأيت مسلم بن الحجاج ضعف هذا الخبر، وقال أبو قيس الأودي، وهزيل بن شرحبيل لا يحتملان هذا مع مخالفتهما الأجلة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة فقالوا: مسح على الخفين، وقال: لا نترك ظاهر القرآن بمثل أبى قيس وهزيل.
فذكرت هذه الحكاية عن مسلم لأبي العباس: محمد بن عبد الرحمن الدغولي فسمعته يقول: سمعت علي بن مخلد بن شيبان يقول: سمعت أبا قدامة السرخسي يقول: قال عبد الرحمن بن مهدي: قلت لسفيان الثوري: لو حدثتني بحديث أبى قيس عن هزيل ما قبلته منك، فقال سفيان: الحديث ضعيف أو واه أو كلمة نحوها.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد محمد بن موسى قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول حدثت أبي بهذا الحديث فقال أبي: ليس يروى هذا إلا من حديث أبي قيس، قال أبي: أبى عبد الرحمن بن مهدي أن يحدث به يقول هو منكر.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا الحسن بن محمد الإسفرائني، أخبرنا محمد ابن أحمد بن البراء قال: قال علي بن المديني: حديث المغيرة بن شعبة في المسح رواه عن المغيرة أهل المدينة، وأهل الكوفة، وأهل البصرة، ورواه هزيل ابن شرحبيل عن المغيرة إلا أنه قال: ومسح على الجوربين وخالف الناس.
أخبرنا عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار ببغداد، أخبرنا أبو بكر الشافعي، أخبرنا جعفر بن محمد بن الأزهر، حدثنا المفضل بن غسان قال: سألت أبا زكريا - يعني يحيى بن معين - عن هذا الحديث فقال: الناس كلهم يروونه على الخفين غير أبى قيس".
وقال البخاري في "التاريخ الكبير" 3/ 137:
 "كان يحيى ينكر على أبي قيس حديثين، وذكر هذا منهما".
وذكر مسلم في "التمييز" من روى عن المغيرة المسح على الخفين، ثم قال (ص 203): "كل هؤلاء قد اتفقوا على خلاف رواية أبي قيس عن هزيل، ثم قال: والحمل فيه على أبي قيس أشبه، وبه أولى منه بهزيل، لأن أبا قيس قد استنكر أهل العلم من روايته أخبارا غير هذا الخبر".
قلت: ولخّص الحافظ ترجمته في "التقريب" بقوله:
"صدوق، ربما أخطأ".
وقال الدارقطني في "العلل" (1240):
"لم يروه غير أبي قيس، وهو مما يغمز عليه به، لأن المحفوظ عن المغيرة المسح على الخفين".
وقال البيهقي في "المعرفة" (2055):
"وذاك حديث منكر، ضعفه سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد ابن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة، حديث المسح على الخفين، ويروى عن جماعة، من الصحابة أنهم فعلوه، والله أعلم".
قلت: ولا ينبغي دفع تضعيف هؤلاء الأئمة بتصحيح الترمذي وابن حبان له، لأنهما ممن عُرفا بالتساهل، وأما القول بأنهما حادثتان متغايرتان فهذا مما لا ينبغي أن يرد به على أئمة هذا الشأن، فهم أعرف الناس بهذا ولا يخفى عليهم مثل هذا، فالحكم بنكارته متجه فقد تفرّد به أبو قيس الأودي، وقال فيه الإمام أحمد: إنه يخالف في أحاديثه، وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عنه، فقال: هو كذا وكذا، وحرّك يده، وهو يخالف في أحاديث.
وعنه قال: لا يحتج به.
وقال أبو حاتم: ليس بقوي، هو قليل الحديث، وليس بحافظ، قيل له: كيف حديثه؟ فقال: صالح هو لين الحديث.
وذكره العقيلي في "الضعفاء" 2/ 327، وقال:
 "الرواية في الجوربين فيها لين".
ووثقه ابن معين والعجلي وابن حبان، وقال النسائي: ليس به بأس.
وقد توسّط الحافظ في ترجمته فقال: "صدوق ربما خالف" وهذه إشارة منه لما ذكره الأئمة في أبي قيس من مخالفته، وقد أُلزم الإمام مسلم بهذا الكلام التالي:
"من الغريب أن الإمام مسلما الذي أعل الحديث بالشذوذ والمخالفة هو نفسه لما أخرج حديث المسح على الخفين في السفر من طريق الجماعة عن المغيرة أخرجه أيضا من طريق أخرى عنه، فزاد فيه المسح على العمامة فعلى طريقته في إعلال حديث هزيل بمخالفته للثقات كان ينبغي أن يعل حديث العمامة أيضا بل هو بالإعلال عنده أولى لأنها زيادة في نفس حديث الجماعة أعني في السفر وليس ذلك عن حديث هزيل".
قلت: لم يتفرّد الإمام مسلم بإعلال حديث الهزيل، فقد أعله أيضا: سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي ابن المديني، وأبو داود، والنسائي، والدارقطني، وهذا التتابع في إعلال هذا الحديث إن دلّ فيدلّ على صحة مذهبهم في إعلاله، وأما المسح على العمامة أو الخمار، فزيادة من ثقة، ولم يتفرّد بها فقد رواها الإمام مسلم في "صحيحه" من طريق سليمان التيمي، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن المغيرة، وهذا إسناد رجاله ثقات، ولم يتفرّد ابن المغيرة بهذه الزيادة فقد تابعه عليها: عمرو بن وهب الثقفي عن المغيرة بإسناد صحيح، وجاءت أيضا في حديث أبي أمامة الباهلي عن المغيرة، لكن الطريق إليه ضعيفة، ومن الرواة من يذكر المسح على الرأس، ومنهم من لا يذكره مطلقا، ففي رواية نافع بن جبير بن مطعم، عن عروة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه "أنه صلى الله عليه وسلم غسل وجهه، وذهب يغسل ذراعيه، فضاق عليه كم الجبة، فأخرجهما من تحت جبته فغسلهما، ثم مسح على خفيه"، فهل يقول أحدٌ إنه صلى الله عليه وسلم ترك مسح رأسه، لأنه لم يُذكر في هذه الرواية؟!، هذا مما لا يقول به أحدٌ، فهذا الحديث جاء مطولًا، فمنهم من يرويه تامًا، ومنهم من يختصره مكتفيًا بموضع الشاهد منه، فثبوت أنه مسح رأسه في هذه القصة لا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة أيضا، فقد جاء في حديث عمرو بن وهب الثقفي، عن المغيرة أنه صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته، ومسح على العمامة، وينظر تخريجنا لهذا الحديث برقم (39) ففيه زيادة تفصيل، وهذه الزيادة ثابتة في "الصحيح" عن اثنين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هما: عمرو بن أمية بن خويلد الضمري، وبلال، ثم إنه لم يعلّ أحدٌ من أئمة الحديث هذه الزيادة حتى يتوقف في قبولها كما هو الشأن في حديث أبي قيس الأودي، عن هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة، والمسح على الجوربين ذكرتُ فيه حديث صحيح في كتابي "أحاديث الأحكام" برقم (40)، والخفان يكونان من جلد وصوف، وتقدّم الكلام على هذا عند الفقرة الثانية، والله الموفق.
وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على "سنن ابن ماجه":
"لم ينفرد به أبو قيس الأودي - وهو عبد الرحمن بن ثروان - بل تابعه فضالة بن عمرو - ويقال: عمير - الزهراني، وعمرو بن وهب الثقفي!".
قلت: هاتان المتابعتان شبه لا شيء، أو كما يقول إمام السنة أحمد بن حنبل "ما خلق الله من ذا شيئًا".
 أما متابعة فضالة بن عمرو:
فأخرجها أبو بكر الإسماعيلي في "معجم شيوخه" 2/ 703 - 704 (الترجمة 327) حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن مرداس الواسطي أبو بكر من حفظه إملاء قال: سمعت أحمد بن سنان، يقول: سمعت
عبد الرحمن بن مهدي، يقول: عندي عن المغيرة بن شعبة، ثلاثة عشر حديثا في المسح على الخفين. فقال أحمد الدورقي: حدثنا يزيد بن هارون، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية الرياحي، عن فضالة بن عمرو الزهراني، عن المغيرة بن شعبة:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين".
شيخ الإسماعيلي لم أجد له ترجمة، وهذا الحديث أخرجه ابن أبي شيبة كما في "المطالب العالية" (4315) حدثنا يزيد بن هارون، والطبراني 20/ (1028) و (1029) من طريق خالد بن عبد الله الواسطي، ويزيد بن هارون، وأبو علي الرفاء في "الفوائد" (215) من طريق هياج بن بسطام، ثلاثتُهم عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية، عن فضالة بن عمرو الزهراني، عن المغيرة بن شعبة:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه".
والحديث إسناده ضعيف، فضالة بن عمرو الزهراني: وجاء اسمه في "فوائد أبي علي الرَّفَّاء" (215) فضالة بن عبيد، وقال البخاري في "التاريخ الكبير" 7/ 124:
"فضالة بن عمير الزهراني قاله ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند، وقال: يزيد بن هارون وعبد الوهاب، عن فضالة بن عبيد، عن المغيرة بن شعبة".
وبنحوه قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 7/ 77، لكن وقع عنده وهم، وهو قوله "روى عنه داود بن أبي هند"، إنما رواه عن أبي العالية عنه، وقد تفرّد بالرواية عنه أبو العالية فهو مجهول العين، وقد خلط البعضُ فقالوا: إن فضالة له صحبة وهو غلط فالذي له صحبة هو فضالة الليثي، وأما الزهراني فتابعي.
وذكره ابن حبان في الثقات 5/ 296، وقال العجلي:
"بصري تابعي ثقة! "، وهذا دليل على تساهلهما، وفيه رد على من يدفع التساهل عن العجلي، وقد جمعت شيئا من تساهلاته في التوثيق لعلي أنشط لنشره، والله الموفق.
وأما متابعة عمرو بن وهب الثقفي:
فلا يجوز نسبة هذه الزيادة في طريق عمرو بن وهب الثقفي، لأنها خطأ، فقد أخرجه أبو الشيخ في "طبقات المحدثين بأصبهان" 4/ 14 من طريق إسماعيل بن يزيد، قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن، عن ابن سيرين، عن عمرو بن وهب، عن المغيرة بن شعبة، قال:
"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على العمامة، والجوربين، والخفين".
وقد رواه أبو داود الطيالسي نفسه في "مسنده" (734)، ورواه عنه: عبدة ابن عبد الله الصفار الخزاعي، ومحمد بن عمرو البحراني، ورواه عن محمد بن سيرين جمعٌ فلم يذكروها، والذي شذّ فيها هو إسماعيل بن يزيد بن حريث القطان، قال أبو نعيم: اختلط عليه بعض حديثه في آخر أيامه. وهذا بيان هذا الملخّص:
أخرجه أبو داود الطيالسي (734)، ومن طريقه الطبراني 20/ (1037)، وفي "الأوسط" (1389) حدثنا سعيد بن عبد الرحمن، عن محمد بن سيرين، عن عمرو بن وهب الثقفي، عن المغيرة بن شعبة، قال:
"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة والخفين".
وقال الطبراني:
"لم يرو هذا الحديث عن سعيد بن عبد الرحمن إلا أبو داود".
وتابع سعيد بن عبد الرحمن جمعٌ:
أخرجه أحمد 4/ 244، ومن طريقه ابن عبد البر في "التمهيد" 11/ 159، والمزي في "تهذيب الكمال" 22/ 292، وابن أبي شيبة 1/ 23 -مختصرًا، والنسائي في "السنن الكبرى" (168) أخبرنا زياد بن أيوب، والبخاري في "القراءة خلف الإمام" (126) [[5]] حدثنا مسدد، وابن عبد البر في "الاستذكار" 1/ 131 - مختصرا من طريق زهير، خمستُهم (أحمد بن حنبل، وابن أبي شيبة، وزياد بن أيوب، ومسدد، وزهير بن حرب) عن ابن علية، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عمرو بن وهب الثقفي، قال: كنا مع المغيرة بن شعبة، فسئل: هل أم النبي صلى الله عليه وسلم أحد من هذه الأمة غير أبي بكر t؟ فقال: نعم، كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما كان من السحر، ضرب عنق راحلتي، فظننت أن له حاجة، فعدلت معه، فانطلقنا حتى برزنا عن الناس، فنزل عن راحلته، ثم انطلق، فتغيب عني حتى ما أراه، فمكث طويلا، ثم جاء، فقال: "حاجتك يا مغيرة؟ " قلت: ما لي حاجة، فقال: "هل معك ماء؟" فقلت: نعم، فقمت إلى قربة، أو إلى سطيحة، معلقة في آخرة الرحل، فأتيته بماء، فصببت عليه، فغسل يديه، فأحسن غسلهما، قال: وأشك أقال: دلكهما بتراب أم لا، ثم غسل وجهه، ثم ذهب يحسر عن يديه، وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فضاقت، فأخرج يديه من تحتها إخراجا، فغسل وجهه ويديه، قال: فيجيء في الحديث غسل الوجه مرتين؟، قال: لا أدري أهكذا كان أم لا؟، ثم مسح بناصيته، ومسح على العمامة، ومسح على الخفين، وركبنا فأدركنا الناس وقد أقيمت الصلاة، فتقدمهم عبد الرحمن بن عوف، وقد صلى بهم ركعة وهمّ في الثانية، فذهبت أوذنه، فنهاني، فصلينا الركعة التي أدركنا، وقضينا الركعة التي  سُبِقْنَا".
وأخرجه الشافعي 1/ 32 - بترتيب السندي، وفي "الأم" 1/ 22، ومن طريقه الدارقطني 1/ 353، والبيهقي في "المعرفة" (618)، والبغوي في "شرح السنة" (232)، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 30 أخبرنا ربيع المؤذن، كلاهما (الشافعي، والربيع بن سليمان المؤذن) عن يحي بن حسان، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عمرو بن وهب الثقفي، عن المغيرة بن شعبة:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى عمامته وخفيه".
وقرن الشافعي بحماد بن زيد: ابن علية.
وأخرجه الطبراني 20/ (1039) من طريق عارم أبي النعمان، والبيهقي
 1/ 58 من طريق أبي الربيع الزهراني، كلاهما عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن رجل - كناه الطبراني أبا عبد الله - عن عمرو بن وهب، عن المغيرة به مطولا.
وتابع أيوبَ: جريرُ بنُ حازم، في ذكر الرجل المبهم لكن اختُلف فيه عليه:
أخرجه أحمد 4/ 248 حدثنا أسود بن عامر، حدثنا جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، قال: حدثني رجل، عن عمرو بن وهب به.
وأخرجه عبد بن حميد (395) - المنتخب، والدارمي (661) عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن جرير، عن ابن سيرين، عن عمرو بن وهب، عن المغيرة به.
وقد تابع جريرًا في عدم ذكر الرجل المبهم جمعٌ:
أخرجه أحمد 4/ 247-248، والبخاري في "التاريخ الكبير" 6/ 377، وابن حبان (1342)، والطبراني 20 / (1035) و(1036) وفي "الأوسط" (3448)، وفي "الصغير" (369) من طريق هشام، والطبراني 20/ (1036) من طريق عوف، والطبراني 20/ (1035)، وفي "الأوسط " (3448)، وفي "الصغير" (369) من طريق أيوب، وحبيب بن الشهيد، والنسائي (109)، وفي "الكبرى" (112)، والطبراني 20/ (1031) و (1032) من طريق يونس بن عبيد، والطبراني أيضاً 20/ (1030)، وفي "مسند الشاميين" (2684) من طريق قتادة، و (1033) من طريق أشعث، والطحاوي 1/ 31 من طريق ابن عون، والطبراني في "الأوسط" (5404) من طريق واصل بن عبد الرحمن أبي حرة، تسعتُهم عن محمد بن سيرين، عن عمرو بن وهب، أن المغيرة بن شعبة حدثه:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على ناصيته، وعلى عمامته، وعلى خفيه".
وقال الدارقطني في "العلل" (1237):
"فالقول قول أيوب، وقتادة ومن تابعهما".
وأخرجه عبد الرزاق (740)، ومن طريقه ابن الأعرابي في "المعجم" (1454) عن معمر، عن قتادة، أن المغيرة بن شعبة قال:
"خصلتان لا أسأل عنهما أحدا، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار".
وهذا معضل، قال الدارقطني في "العلل" (2642):
"ومعمر سيء الحفظ لحديث قتادة والأعمش".
وأخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (2685) حدثنا عبد الله بن الحسين المصيصي، حدثنا محمد بن بكار بن بلال، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس بن سيرين، عن عمرو بن وهب، عن المغيرة بن شعبة:
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على ناصيته وعمامته وخفيه".
وإسناده ضعيف، سعيد بن بشير: ضعيف، لكن العهدة بهذا على شيخ الطبراني فقد قال ابن حبان: يقلب الأخبار ويسرقها، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وله نسخة كلها مقلوبة.
وقد خالفه أبو زرعة الدمشقي:
أخرجه الطبراني 20/ (1030) حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، حدثنا محمد بن بكار، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن محمد بن سيرين، عن عمرو بن وهب الثقفي به.
وأخرجه أيضا في "مسند الشاميين" (2684) حدثنا أبو زرعة الدمشقي، حدثنا يحيى بن صالح الوحاظي، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن محمد بن سيرين، عن عمرو بن وهب به.

وأما حديث أبي موسى الأشعري:
فأخرجه ابن ماجه (560)، ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق"
 1/ 216، والطحاوي 1/ 97، والبيهقي 1/ 284-285 من طريق عيسى بن يونس، والباغندي في "أماليه" (9) من طريق الصغدي بن سنان، كلاهما عن عيسى بن سنان، عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب، عن أبي موسى الأشعري:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين".
ضعفه أبو داود بقوله:
"وليس بالمتصل ولا بالقوي".
وقال أَبو حاتم الرازي كما في "الجرح والتعديل" 4/ 459:
"ضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب، ويقال: ابن عرزم، وعرزب أصح، روى عن أبي موسى الأشعري، مرسل".
وقال البيهقي:
"الضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبى موسى، وعيسى بن سنان ضعيف لا يحتج به".
وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (1108) من طريق أبي جعفر النفيلي، عن عيسى بن يونس به، وزاد: "والعمامة".
وقال الطبراني:
"لا يروى هذا الحديث عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد، تفرد به عيسى".
وأخرجه العقيلي في "الضعفاء" 3/ 383-384 من طريق الحجاج بن نصير قال: حدثنا القاسم بن مطيب العجلي قال: حدثنا عيسى بن سنان، عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب، عن أبي موسى:
 "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا، ومسح على الجوربين والنعلين".
وقال: "والأسانيد في الجوربين والنعلين فيها لين".
هذا آخر ما تيسّر لي من الكلام حول ما جاء في هذه الرسالة المسماة بــ (المسح على الجوربين والنعلين) وقد تبيّن ضعف ما استُدل به على جواز المسح على النعلين، فالحمد لله على توفيقه.
 إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
 وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

 كتبه أحوج الناس لعفو ربه
أبـــــو ســــــــامي العبــــــدان
حســــــــــــن التمـــــــــــــــام
لخمس وعشرين خلون من صفر سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم

٭ ٭ ٭

[1] - هذا حديث ضعيف، ظاهر النكارة، وستقف إن شاء الله على بيان ذلك في آخر هذه الرسالة.
[2] - هذا الوضوء الذي نُقل عن علي t إنما هو وضوء مَن لم يحدث كما في بعض ألفاظ هذا الأثر وسيأتـي الكلام عليه إن شاء الله تعالى، وأما وضوء من أحدث ففرضه غسل الرجلين.
[3] - سقط من مطبوع "الاعتبار" شعبة!
[4] - تحرّف يعلى بن عطاء في "الطبعة الميمنية" للمسند إلى (يعلى بن أمية)، وجاء على الصواب في "أطراف المسند" 1/ 567، و"طبعة المكنز" 7/ 3510، و"طبعة الرسالة" 26/ 79، و"طبعة عالم الكتب" 5/ 542، ومن طريق الإمام أحمد: أخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 1/ 309، عن يعلى بن عطاء، ولا يَروي عن أبيه غيرُه، فقد تفرّد بالرواية عنه.
[5] - سقط من مطبوع "القراءة" ابن سيرين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حقوق النشر لكل مسلم يريد نشر الخير إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

أبو سامي العبدان حسن التمام