words' theme=''/>

ندعو إلى التمسك بالمنهج الصحيح المتكامل لفهم الإسلام الصحيح والعمل به، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، لنعود بك إلى الصدر الأول على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم من القرون الفاضلة إلى يوم الدين ...أبو سامي العبدان

الثلاثاء، 23 يناير 2018

ضعف حديث تحريك السبابة في التشهد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الإشارة بالسبابة في التشهد، لكن وقع الاختلاف في صفة الإشارة، وقد اتفقت المذاهب الأربعة والمذهب الظاهري على الإشارة بالسبابة ولم يذكروا تحريكها، بل كلهم قالوا: لا يحركها إلا بعض شيوخ المالكية قال بتحريك السبابة دائما يمينا وشمالا تحريكا وسطا، والراجح من الأدلة هو الإشارة فقط بدون تحريك لها، فقد روى مسلم في "صحيحه" وغيره عن ابن عمر:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع إِصْبَعَهُ اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها وَيَدَهُ اليسرى على ركبته بَاسِطَهَا عليها".
ولفظ الطبراني: "لما تشهد رفع أصبعه التي تلي الإبهام فدعا بها"، فإن قوله " فدعا بها " أي قرأ: التشهد، فالأحاديث بعضها يبيّن بعضا، وجاء في بعضها " كان إذا قعد في التشهد "، ولفظ آخر: " كان إذا قعد يتشهد" وآخر: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد حلق بالإبهام والوسطى، ورفع التي تليهما، يدعو بها في التشهد".
والتشهد معروف معلوم، فهو يبدأ من (التحيات لله) إلى تمام (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله).
وقال الترمذي صاحب السنن:
"والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين: يختارون الإشارة في التشهد، وهو قول أصحابنا".
ولما سُئل الإمام أحمد هل يشير الرجل بأصبعه في الصلاة ؟ قال: نعم شديدا.
يعني يشد السبابة تجاه القبلة، ولا يحنيها لأن الحديث الوارد في حني السبابة ضعيف، فاعلم ذلك فإنه مهم، ولا يُفهم من قول الإمام أحمد التحريك مطلقا، فإنه إنما سُئل رحمه الله عن الإشارة ولم يسئل عن التحريك.
وقد فسّر أبو بكر الحميدي صاحب المسند راوي الحديث عن سفيان بن عيينة الإشارة بنصب السبابة، وهذا يوافق ما قاله الإمام أحمد آنفًا.
فإذا قيل: إن الإشارة في حديث وائل تتفق مع التحريك ولا تنافيه؟! فجوابه أن تفسير الإشارة بنصب السبابة ينافي التحريك خفضا ورفعا، وكذا تحريكها يمينا وشمالا، أو على هيئة دائرية، فهذا لا يقال إنه نصب السبابة.
وقد روى الإشارة بالسبابة عن النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن عامر، ووائل بن حجر، وأبو هريرة، ومعاذ بن جبل، وأسماء بن حارثة، وخفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري، ونمير الخزاعي، وعبد الرحمن بن أبزى، وأبو قتادة، وأبو حميد الساعدي، وعبد الله بن الزبير، وقد تقدم الكلام على حديث عبد الله بن عمر، فكل هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم ليس في حديث واحد منهم تحريك السبابة إلا في حديث وائل بن حجر شذّ زائدة بن قدامة بلفظ التحريك، وسأذكر بإيجاز كيف شذّ زائدة بن قدامة بهذه اللفظة، فإن هذا الحديث يرويه عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر رضي الله عنه، ورواه عن عاصم جمع من أصحابه: سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة، وعبد الواحد بن زياد، وخالد بن عبد الله الواسطي، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، وبشر بن المفضل بن لاحق الرقاشي، وزهير بن معاوية، وعبد الله بن إدريس بن يزيد الأودي، وهؤلاء كلهم ثقات أثبات، ومن الثقات فقط غيلان بن جامع، وعَنْبَسةُ بن سعيد الأسَدي، وقيس بن الربيع: صدوق تغير لما كبر كما في "التقريب"، وشجاع بن الوليد: صدوق ورع، روى له الجماعة، وموسى بن أبي عائشة: ثقة عابد وكان يرسل، ومحمد بن فضيل: صدوق عارف رمي بالتشيع كما في "التقريب"، وقال الذهبي: " ثقة شيعي"، وموسى بن أبي كثير: صدوق، وعاصم بن بهدلة: صدوق له أوهام.
وقال ابن خزيمة:
" ليس في شيء من الأخبار يحركها إلا في هذا الخبر، زائدة ذكره".
وهو كما قال ابن خزيمة، فقد توّهم زائدة بن قدامة بهذه اللفظة فأبدل اللفظ المحفوظ (يشير بها) إلى (يحركها) وكأنه توسّع في المعنى وقد أشار إلى هذا البيهقي في "السنن الكبرى"، فقال:
"فيحتمل أن يكون المراد بالتحريك الإشارةَ بها لا تكريرَ تحريكِها فيكون موافقا لرواية ابن الزبير والله تعالى أعلم".
وسأنقل هذا الخبر الذي ساقه ابن حبان في مقدمة كتابه "المجروحين" وهو يتكلم عن جلالة سفيان الثوري وقوّة حفظه، ذلك أن القول بأن زائدة بن قدامة أدّى من حفظه ما لم يستطعه هذا الجمع من جبال الحفظ وفيهم الثوري وشعبة وابن عيينة وأبو الأحوص وممن تقدّم ذكرهم جميعًا لهو مشين بحقهم، قال ابن حبان في مقدمة كتابه "المجروحين":
حدثنا عمر بن محمد الْهَمْدَانِيُّ، قال: سمعت عمرو بن علي، يقول: سمعت سفيان بن زياد، يقول: ليحيى بن سعيد في حديث أشعث بن أبي الشعثاء، عن زيد بن معاوية العبْسي، عن علقمة، عن عبد الله: ختامه مسك: يا أبا سعيد خالفه أربعة، قال: من؟ قال: زائدة، وأبو الأحوص، وإسرائيل، وشريك، قال يحيى: لو كانوا أربعة آلاف مثل هؤلاء لكان سفيان أثبت منهم".
ويعجبني هذا النقاش الذي جرى بين الوادعي، والوصابي، فقد دار حوار بينهما عن هذه الزيادة، فقال الوصابي: إن زائدة بن قدامة ثقة، وإن الشيخ الألباني قد صحح هذه الزيادة، فأجابه الوادعي: إن الشيخ الألباني قد حكم على زيادة تفرد بها زائدة في حديث آخر وخالف فيها راويين بالشذوذ، وهو في هذا الحديث قد خالف خمسة عشر راويا، فإذا لم تكن هذه الزيادة شاذة فليس في الدنيا شاذ.
نقله الرياشي في "بغية الطالب المبتدي من أدلة صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" (ص 151).
والأمر كما قال الوادعي، ولا يقال إن هذه زيادة من ثقة لأن تفرد الراوي بزيادة عن جمع ممن هم أوثق وأكثر عددا مع اتحاد المخرج ينبئ بخطئ المتفرّد بهذه الزيادة، فيتلخّص لنا مما تقدّم أن مذهب جمهور أهل العلم: أن المصلي يشير بالسبابة في جلوس التشهد بلا تحريك، وذهب بعض شيوخ المالكية: إلى استحباب تحريك الأصبع يمينا ويسارا، واستدلوا: بما جاء في حديث وائل بن حجر: أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يحركها يدعو بها"، وقد تقدّم أن هذه اللفظة غيرُ صالحة للاحتجاج، لأن الراوي لها وهو زائدة بن قدامة بدّل لفظ الإشارة بلفظ التحريك مخالفًا بذلك سبعة عشر راويًا من أصحاب عاصم بن كليب، ثم ما أدري ما هو وجه قولهم يحركها يمنة ويسرة مخالفين في قولهم هذا صريح حديث ابن عمر "ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام"؟! ففيه الرفع للسبابة ولكن أنّى لأحد القول بخفضه فلا يوجد شيء من ذلك في هذه الأحاديث مع كثرتها إنما قال "رفع إصبعه"، وهذا الرفع لا بدّ منه ليشير به، والإشارة عند إطلاقها لا يلزم منها التحريك مطلقا، فإن قولك أشار فلان لفلان لا يعني أن المشير ظل يحرك ما أشار به إلا مقيدا كما جاء في خطبة حجة الوداع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس، اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات".
وإذا أطلقت الإشارة فلا يُفهم منها الاستمرار بالتحريك كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت:
"اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا، فصلوا بصلاته قياما فأشار إليهم: أن اجلسوا فجلسوا.
فمعناه رفع يده وخفضها مرةً واحدةً ليفهموا من إشارته أنه يأمرهم بالجلوس، وهذا الأمر لا يتحقق إلا بخفض اليد مشيرًا إلى الأرض، فإن معنى الإشارة لغة: التلويح بشيء يفهم منه المراد، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه سأل صهيبا: " كيف كان يصنع النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يسلم عليه وهو يصلي؟ قال: " كان يشير بيده "، أي: يمد يده تجاه القبلة، فلا بد لمن أشار بالسبابة أن يأتي بحركة وهي رفع الأصبع ومده إلى القبلة وإذا انتهى من التشهد يبسط يده على فخذه، وليت شعري هل ما يفعله جمهور المصلين يُسمى إشارة إنما هو رفع وخفض وبسرعة عجيبة كأنه يضرب شيئا بأصبعه!! فلو كان راوي الحديث يريد من وصفه إشارة النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى الذي عليه جمهور المصلين لقال كما جاء في خطبة حجة الوداع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس" لقال: وينكتها إلى الأرض، وهذا واضح لا يحتاج كثرة تأمل، فإذا تقرّر أن المحفوظ الإشارة فقط، فتكون صفة الإشارة بها هو شدها باتجاه القبلة، من حين قراءة التشهد فإذا بلغ ( أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) يخفضها باسطا إياها كما بسط كفه اليمنى، ومن المعلوم أن الصلاة مبنية على الخشوع والطمأنينة، وإن تحريك السبابة يخالف هذا المطلب العظيم، والله تعالى أعلم.

إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

تنبيه: من أراد التوسّع في المسألة فليقرأ التفصيل في كتابي (الإنارة في حديث الإشارة)
https://drive.google.com/…/0B8H0PfwYcURZRXpBU19PMENtT…/view…

كتبه أحوج الناس لعفو ربه
أبو سامي العبدان
حسن التمام
12 - ربيع الثاني - 1437 هجري

حقوق النشر لكل مسلم يريد نشر الخير إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

أبو سامي العبدان حسن التمام