words' theme=''/>

ندعو إلى التمسك بالمنهج الصحيح المتكامل لفهم الإسلام الصحيح والعمل به، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، لنعود بك إلى الصدر الأول على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم من القرون الفاضلة إلى يوم الدين ...أبو سامي العبدان

الثلاثاء، 19 ديسمبر 2017

مشروعية رفع اليدين في كل تكبيرات الجنازة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد:
فقد جاء في كتاب "أحكام الجنائز" للعلّامة المحدّث ناصر الدين الألباني
تحت الفقرة (75) قوله رحمه الله تعالى: " ويشرع له – أي: المصلي على الجنازة - أن يرفع يديه في التكبيرة الأولى، وفيه حديثان:
الأول: عن أبي هريرة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة، ووضع اليمنى على اليسرى ".
أخرجه الترمذي (2/ 165)، والدارقطني (192)، والبيهقي (284)، وأبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (ص 262) بسند ضعيف، لكن يشهد له الحديث الاتي وهو:
الثاني: عن عبد الله بن عباس " أن رسول الله كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة، ثم لا يعود ".
أخرجه الدارقطني بسند رجاله ثقات غير الفضل بن السكن فإنه مجهول، وسكت عنه ابن التركماني في " الجوهر النقي " (4/ 44)! ثم قال الترمذي عقب الحديث الأول: هذا حديث غريب، واختلف أهل العلم في هذا، فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن يرفع الرجل يديه في كل تكبيرة، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال بعض أهل العلم: لا يرفع يديه إلا في أول مرة، وهو قول الثوري وأهل الكوفة، وذكر عن ابن المبارك أنه قال في الصلاة على الجنازة: لا يقبض بيمينه على شماله، ورأي بعض أهل العلم أن يقبض على شماله كما يفعل في الصلاة ".
وفي المجموع " للنووي (5/ 232): " قال ابن المنذري في كتابه " الاشراف والاجماع ": أجمعوا على أنه يرفع في أول تكبيرة، واختلفوا في سائرها ". انتهى كلامه طيّب الله ثراه.
وكنت آخذ بهذا القول زمنا، ثم لمّا تبيّن لي ضعف هذين الحديثين مع ثبوت أثرين عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، ولاسيما أنه لا يُعلم لهما مخالف من الصحابة رضي الله عنهما، ولأنهما رافقا النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعا أقواله وأفعاله وتقريراته وأحكامه، فكانا بذلك أعرف الناس به، وهما من أكثر الناس إخـلاصا وحرصا علي الخير فالأخذ بقولهما أولى من الأخذ بقول غيرهما، ولا يوجد ما ينفي مشروعية الرفع فثبت لي مشروعية الرفع في كل تكبيرات الجنازة، وهذا بحث قمتُ بإعداده لمناقشة الأدلة والله الموفق:

الحديث الأول:

عن أبي هريرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى".

ضعيف - أخرجه الترمذي (1077)، والدارقطني 2/ 438، وابن البختري في "فوائده" (541)، والبيهقي 4/ 38 من طريقين عن إسماعيل بن أبان الوراق، عن يحيى بن يعلى، عن أبي فروة يزيد بن سنان، عن زيد وهو ابن أبي أنيسة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة به.
وقال الترمذي:
" هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، واختلف أهل العلم في هذا فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن يرفع الرجل يديه في كل تكبيرة على الجنازة وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم لا يرفع يديه إلا في أول مرة وهو قول الثوري وأهل الكوفة وذكر عن ابن المبارك أنه قال في الصلاة على الجنازة لا يقبض يمينه على شماله ورأى بعض أهل العلم أن يقبض بيمينه على شماله كما يفعل في الصلاة قال أبو عيسى يقبض أحب إلي".
وأعله ابن القطان بأبي فروة يزيد بن سنان.
وأخرجه أبو يعلى (5858)، والدارقطني 2/ 438، وأبو الفضل الزهري في "حديثه" (688) من طرق عن الحسن بن حماد سجادة، حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، حدثنا يزيد بن سنان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة:
" أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فوضع يده اليمنى على يده اليسرى".
قلت: فلم يذكر الحسنُ بنُ حمّاد ( زيدَ بنَ أبي أنيسة ) فخالف اسماعيلَ بن أبان، والراجح رواية إسماعيل بن أبان فإنه ثقة، وأما الحسن بن حماد فإنه صدوق، وقد يكون هذا الاضطراب في إسناده ممن فوقهما وهما يزيد بن سنان، ويحي بن يعلى فكلاهما ضعيف.
وقد أخرجه الخطيب البغدادي في "تلخيص المتشابه في الرسم" 1/ 525 من ابن كاسب، حدثنا محمد بن معاوية، حدثنا يحيى بن يعلى أبو المحياة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة:
 "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر على الجنازة رفع يديه أول تكبيرة، ثم يضع يمينه على شماله حتى يفرغ".
وقال الخطيب:
" هكذا قال: عن يحيى بن يعلى، عن الزهري، ولم يسمع يحيى من الزهري، وقد رواه الحسن بن حماد سجادة، عن يحيى بن يعلى، عن يزيد بن سنان، عن زيد بن أبي أنيسة عن الزهري، وقد رواه جماعة، عن يحيى، عن أبي فروة يزيد بن سنان، عن زيد بن أبي أنيسة، عن الزهري، ورواه الحسين بن عيسى البسطامي، عن إسماعيل بن أبان، عن يحيى بن يعلى، عن يونس بن خباب، عن الزهري، وزاد في المتن، قال: وقرأ بفاتحة الكتاب، وقوله: ثم يضع يمينه على شماله، لم نكتبه إلا من هذا الوجه وفيه نظر".
قلت: وهذه الروايات التي ذكرها الخطيب تُخالف ما تقدم في روايات الحديث المتقدمة، فقد جعل رواية الحسن بن حماد مطابقة لرواية اسماعيل بن أبان، ثم ذكر رواية الحسين بن عيسى البسطامي عن اسماعيل بن أبان عن يحي بن يعلى عن يونس بن خباب عن الزهري وزاد فيه قراءة سورة الفاتحة، فصار يونس بن خباب بدل يزيد بن سنان وسقط منه ابن أبي أنيسة، فثبت أن الاضطراب فيه من يحي بن يعلى.
فقد قال البخاري: "مضطرب الحديث".
وقال البزار: "يغلط في الأسانيد".

الحديث الثاني
عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة، ثم لا يعود".

ضعيف – أخرجه والعقيلي في "الضعفاء" 3/ 449، والدارقطني
 2/ 438 من طريق الفضل بن السكن، حدثني هشام بن يوسف عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس به.
وهذا إسناد ضعيف من أجل الفضل بن السكن فإنه مجهول، وقد خالفه ابراهيم بن موسى الفراء (وهو ثقة حافظ) فرواه عن هشام بن يوسف عن معمر عن بعض أصحابه:
"أن ابن عباس كان يرفع يديه في التكبيرة الأولى ثم لا يرفع بعد".
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" 3/ 449.
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (6362)، والعقيلي في "الضعفاء" 3/ 449 عن معمر عن بعض أصحابنا به.
قلت: وحتى هذا الموقوف لا يثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما، ففيه مَنْ
 أبهم، بل ذكر الحافظ ثبوت الرفع عنه، فقد قال في "التلخيص" 2/ 291: "وقد صح عن ابن عباس أنه كان يرفع يديه في تكبيرات الجنازة، ورواه سعيد ابن منصور".
وقد ثبت أيضا رفع اليدين في كل تكبيرات الجنازة عن ابن عمر رضي الله عنهما:
أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 296، والبخاري في "جزء رفع اليدين" (106)، وابن المنذر في "الأوسط" (3130)، والبيهقي 4/ 44 عن عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر:
"أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، ينضم إلى أثر ابن عباس رضي الله عنهما، والعمل بقول الصحابي إذا لم يخالف نصا من الشرع أولى من غيره لاسيما أنه لا يُعلم لهما مخالف من الصحابة رضي الله عنهما، ولأنهما رافقا النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعا أقواله وأفعاله وتقريراته وأحكامه، فكانا بذلك أعرف الناس به، وهما من أكثر الناس إخـلاصا وحرصا على الخير فالأخذ بقولهما أولى من الأخذ بقول غيرهما، وأضف إلي ذلك أن ابن عمر رضي الله عنهما له مزية خاصة لما عـرف عنه من شدة التحري في اتباع السنة كما هو معروف عنه عند علماء الحديث خاصة وغيرهم من الفقهاء، بل إنه كان يتابع النبي صلى الله عليه وسلم في الأمور الجبلية التي لا شأن لها بالعبادات كما هو معروف عنه رضي الله عنه، فقد جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بين عرفات والمزدلفة في الشعب فبال، فكان ابن عمر إذا جاء إلى ذلك المكان ينزل ويبول، فقالوا له: يا ابن عمر! هذه ليست عبادة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعل هذا ليتأسى الناس به، فإذا كان إنسان ليس به بول وليس هناك حاجة داعية لأن يأتي ويبول بالقوة! فقال: الرسول فعل هذا، أي: أنا أتبعه.
قلت: هذه شدة رغبة منه رضي الله عنه في اتباع نبيه الله صلى الله عليه وسلم، فهل يصح أن يُقال بعد هذا أنه فعل ذلك باجتهاد منه، اللهم لا، ولا يصح أن يُنسب مثل هذا إلى هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه، فالراجح أن ابن عمر رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في تكبيرات الجنازة فتأسى به.
وقد نقل الترمذي في "سننه" كما تقدم أن هذا رأي أكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كانوا يقولون برفع الرجل يديه في تكبيره على الجنازة، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، فلَاح لك قوة الأخذ بهذه السنة، لكن بقي عليّ شيء وجب بيانه وهو ما الذي منع الشيخ الألباني رحمه الله تعالى العمل بهذه السنة؟!
الجواب هو أنه رحمه الله تعالى كان يحسّن حديث أبي هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى".
وقد عرفتَ أنه حديث ضعيف غير صالح للاحتجاج به.
وقال الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز":
"نعم روي البيهقي بسند صحيح عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه على كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة، فمن كان يظن أنه لا يفعل ذلك إلا بتوقيف من النبي صلي الله عليه وسلم فله أن يرفع".
قلت: فتوجه المصير إلى الأخذ بأثرَي ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، فإن الاقتداء بهما في رفع اليدين أولى من عدم الرفع.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى:
 "السنة رفع اليدين مع التكبيرات الأربع كلها، لما ثبت عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يرفعان مع التكبيرات كلها، ورواه الدارقطني [[1]] مرفوعا من حديث ابن عمر بسند جيد" انتهى من " مجموع الفتاوى " 13/148.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
"الصواب أن رفع اليدين في تكبيرة الجنازة سنة في كل التكبيرات، كما جاء ذلك صريحا عن ابن عمر، ومثل هذا من الأمور التوقيفية التي لا تكون إلا عن نص، بل جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة ..." انتهى من "دروس وفتاوى".
وقال الشيخ ابن عثيمين معلقا على قول صاحب "زاد المستقنع":
 (ويرفع يديه مع كل تكبيرة) " ويرفع " الضمير يعود على المصلي، أي: يرفع يديه مع كل تكبيرة على صفة ما يرفعهما في صلاة الفريضة، أي: يرفعهما حتى يكونا حذو منكبيه، أو حذو فروع أذنيه، وقوله: " مع كل تكبيرة " هذا هو القول الصحيح والدليل على ذلك ما يلي:
1 - ورود السنة بذلك، بسند جيد، كما قال الشيخ عبد العزيز بن باز ـ حفظه الله، وأعله الدارقطني بعمر بن شبة، لكن قال الشيخ عبد العزيز: إن عمر ثقة، والزيادة من الثقة عند علماء الحديث مقبولة، إذا لم تكن منافية وهنا لا تنافي، لأن المسكوت عنه ليس كالمنطوق، ولا منافاة إلا إذا تعارض منطوقان، أما إذا كان أحدهما ناطقا والثاني ساكتا فلا معارضة، لأن عدم النقل ليس نقلا للعدم.
2 - أنه صح عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفا، وله حكم الرفع، لأن مثله لا يثبت بالاجتهاد.
ولو قيل: لعل ابن عمر ـرضي الله عنهما قاس ذلك على غيرها من الصلوات؟
فالجواب: أن الصلوات الأخرى ليس فيها رفع في كل تكبيرة، كما ثبت ذلك من حديث ابن عمر نفسه.
3 - أن المعنى يقتضيه لأنه إذا حرك يديه اجتمع في الانتقال من التكبيرة الأولى قول وفعل، كسائر الصلوات، فإن الصلوات يكون مع القول فعل إما ركوع، أو سجود، أو قيام، أو قعود، فكان من المناسب أن يكون مع القول فعل، ولا فعل هنا يناسب إلا رفع اليدين، لأن الركوع والسجود متعذران فيبقى رفع اليدين.
وحينئذٍ يكون رفع اليدين في كل تكبيرة مؤيدا بالأثر، والنظر.
وقوله: " مع كل تكبيرة " سبق في كتاب الصلاة أنه إن شاء ابتدأ رفع اليدين مع ابتداء التكبير، وإن شاء إذا كبر رفع، وإن شاء رفع ثم كبر ".

كتبه أحوج الناس لعفو ربه
أبو سامي العبدان
حسن التمام
التاسع من رمضان 1436 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم



 ____________


[1] - يشير الشيخان رحمهما الله تعالى إلى ما أخرجه الدارقطني في "العلل" من طريق عُمر بن شبة، قال: حَدَّثَنا يزيد بن هارون، قال: أَخبرَنا يَحيَى بن سَعيد، عَن نافع، عَن ابن عُمر، أَن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان إِذا صلى على جِنازة رفع يديه في كل تكبيرة، وإِذا انصرف سلم".
وقد سُئل عنه الدارقطني في "العلل" فقال: " يَرويه يَحيَى بن سَعيد الأَنصاري، واختُلِفَ عنه
فرواه عُمر بن شبة، عن يزيد بن هارون، عن يَحيَى بن سَعيد، عَن نافع، عَن ابن عُمر، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.
وخالفه جماعة، رَوَوه عن يزيد بن هارون، مَوقوفًا.
وكذلك رَواه عَبد الرَّحمَن بن اليمان شيخ يروي عنه الأَوزاعي، وأَبو شهاب الحناط، وغيرهما، عَن نافع عَن ابن عُمر مَوقوفًا وهو الصواب ... وقال: وكذلك رواه أبو حمزة السكري، وعياش بن عباس، عن يحيى بن سعيد موقوفا ".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حقوق النشر لكل مسلم يريد نشر الخير إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

أبو سامي العبدان حسن التمام