words' theme=''/>

علوم أهل الحديث والأثر (المقالات)

ندعو إلى التمسك بالمنهج الصحيح المتكامل لفهم الإسلام الصحيح والعمل به، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، لنعود بك إلى الصدر الأول على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم من القرون الفاضلة إلى يوم الدين ...أبو سامي العبدان

السبت، 24 مارس 2018

دفاع عن الملك الصالح النجاشي رحمه الله تعالى ورضي عنه


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإنه مما لا يجوز اتهام رجل مسلم بغير بينة، فكيف برجل شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاح، وصلى عليه صلاة الغائب، وقد اتهم النجاشي بأنه لا يحكم بما أنزل الله، والذي دفعهم اتهامه بهذه التهمة هو محاماتهم عن الطواغيت الذين استبدلوا شريعة الله بالقوانين الوضعية مع الفرق كبير جدا جدا بينه وبين طواغيت العصر الملتزمون استبدال الشريعة، ولا شك أن هذا هو الضلال العريض فكيف يُرمى رجل مسلم مشهود له بالصلاح والعدل من سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم بهذه التهمة الخطيرة؟!! ذلك أن إسلامه كان في أول البعثة، ولم تستقر بعدُ أحكام الشريعة، ومن المعلوم أن الفترة المكية لم تنزل فيها كثير من الحدود،
ولا يخفى على أحد التدرج في التشريع، وأن القرآن كان يتناول كل مرحلة بما يناسبها، ولم يأت النهي عن كثير من المحرمات في العهد المكي، كتحريم الخمر، والربا، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: "لما أنزلت الآيات من سورة البقرة في الربا، خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقرأهن على الناس، ثم حرم تجارة الخمر" ([1]).
قال النووي في "شرح مسلم" 11/ 5:
"قال القاضي وغيره: تحريم الخمر هو في سورة المائدة وهي نزلت قبل آية الربا بمدة طويلة، فإن آية الربا آخر ما نزل أو من آخر ما نزل، فيحتمل أن يكون هذا النهي عن التجارة متأخرا عن تحريمها، ويحتمل أنه أخبر بتحريم التجارة حين حرمت الخمر، ثم أخبر به مرة أخرى بعد نزول آية الربا توكيدا ومبالغة في إشاعته، ولعله حضر المجلس من لم يكن بلغه تحريم التجارة فيها قبل ذلك، والله أعلم".
وإن بعض العبادات لم تشرع إلا في المدينة كصيام رمضان، واستقبال البيت الحرام، والقتال في سبيل الله، وبعضها تأخر جدا كحج بيت الله الحرام، وإن كثيرا من التشريعات لم تنزل إلا في المدينة النبوية وفي فترة متأخرة، ومن المعلوم أن النجاشي رحمه الله تعالى قد توفي قبل اكتمال الدين، فقد صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب، ففي "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه، فخرج بهم إلى المصلى، وكبر أربع تكبيرات".
ومن المعلوم أن النجاشي مات بأرض الحبشة. 
 قال الحافظ في "الفتح" 7/ 191:
"وإنما وقعت وفاته بعد الهجرة سنة تسع عند الأكثر، وقيل سنة ثمان قبل فتح مكة كما ذكره البيهقي في "دلائل النبوة".
قلت: وقد اختُلف في زمن إسلامه فمن أهل العلم من يرى أن ذلك بعد البعثة وقبل الهجرة إلى المدينة، أي مع هجرة المسلمين إلى الحبشة في حدود السنة الخامسة من البعثة، ومنهم من يرى أن إسلامه قد تأخر إلى قرابة العام السادس من بعد الهجرة النبوية إلى المدينة، ثم الجزم بأنه لم يحكم بما أنزل الله يحتاج إلى دليل قاطع، ومن المستبعد جدا أن يصف النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا لا يحكم بما أنزل الله بأنه رجل صالح ([2])، ومن يقرأ سيرة النجاشي يتبيّن له أنه كان فيه صلابة في دينه، فقد كتب النجاشي رسالة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابا لرسالته التي أرسلها إليه يدعوه فيها إلى الإسلام، فقال: "بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله من النجاشي الأصحم بن أبجر، سلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته، لا إله إلا هو الذي هداني إلى الإسلام، فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السماء والأرض إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقد قرينا ابن عمك وأصحابه، فأشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين، وقد بعثت إليك يا نبي الله بأريحا بن الأصحم بن أبجر فإني لا أملك إلا نفسي، وإن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله، فإني أشهد أن ما تقول حق" ([3]).
فهذه الرسالة فيها الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وبما نزل عليه من ربه، وبالإيمان بما نزل في حق عيسى عليه السلام، وأنه اهتدى إلى الإسلام، وبايع على ذلك، وهو يعلن استعداده للهجرة وترك الملك الذي هو فيه إن شاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وقد يستفاد من هذه الرواية أنه لم يطاوعه على الإسلام أحد من قومه في بادئ الأمر، لكن ليس فيها أنه لم يحكم بشريعة الله، وبين الأمرين فرق، والقول إنه لم يحكم بشريعة الله يلزم منه أنه حكم بغيرها، لأنه ملك، والملك من شأنه أن يحكم، فإما أن يحكم بشريعة الله وإما أن يحكم بغيرها.
وذكر الحيدر آبادي الهندي في "مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة" (ص 106- 107) أن النجاشي أرسل مع ابنه أريحا ستين رجلا من أهل الحبشة ([4]).
فهذا يدل على أن هناك من استجاب له من قومه فأسلموا، وذكر ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 46/ 150-151، وابن القيم في "الهدي النبوي" 3 / 606 - في بيان قدوم عمرو بن العاص على ملك عمان بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، قال عمرو بن العاص -: "فسألني أين كان إسلامك؟ قلت: عند النجاشي، وأخبرته أن النجاشي قد أسلم، قال: فكيف صنع قومه بملكه؟ فقلت: أقروه واتبعوه، قال: والأساقفة والرهبان تبعوه؟ قلت: نعم. قال: انظر يا عمرو ما تقول إنه ليس من خصلة في رجل أفضح له من الكذب، قلته: ما كذبت وما نستحله في ديننا، ثم قال: ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشي، قلت: بلى.
قال: بأي شيء علمت ذلك؟
قلت: كان النجاشي يخرج له خرجا فلما أسلم وصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم، قال: لا والله، لو سألني درهما واحدا ما أعطيته، فبلغ هرقل قوله، فقال له: يناق أخوه: أتدع عبدك لا يخرج لك خرجا ويدين دينا محدثا؟
قال هرقل: رجل رغب في دين فاختاره لنفسه ما أصنع به والله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع".
ولما قال النجاشي لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: "ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا: هو عبد الله ورسوله، وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، قالت: فضرب النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ منها عودا، ثم قال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم والله اذهبوا، فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم: الآمنون – من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، فما أحب أن لي دبرا ذهبا، وأني آذيت رجلا منكم - والدبر بلسان الحبشة: الجبل - ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لنا بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد عليّ ملكي، فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في، فأطيعهم فيه..." ([5]).
فالنجاشي - رحمه الله - لم يهتز أمام تناخرهم، بل تحداهم بقوله: وإن تناخرتم والله، ثم أمَّن الصحابة ووضع على من سبهم عقوبة وهي الغرامة، وبين أنه لا يخاف الناس ولا يطيعهم في الله تعالى، أفمن كان هذا حاله يجوز أن ينسب إليه بغير بينة أنه ترك بعض ما أمر به طاعة للناس أو خوفا من نقمتهم؟!!
وقال النجاشي: "والله ما زاد ابن مريم على هذا وزن هذا العود، فقال عظماء الحبشة: والله لئن سمعت الحبشة لتخلعنك، فقال: والله لا أقول في عيسى غير هذا أبدا، وما أطاع الله الناس فيَّ حين رد عليّ ملكي، فأطع الناس في دين الله، معاذ الله من ذلك" ([6]).
فلم يأبه بما قاله له عظماء الحبشة من خلعهم له، وما رده ذلك عن التمسك بالحق وإعلانه، بل أقسم بالله أنه لا يقول في عيسى عليه السلام غير مقالته الأولى أبدا، وأنه لن يطيع الناس في دين الله.
وقال النجاشي: "يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان، والله ما يزيدون على الذي نقول فيه ما سوى هذا، مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده، أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه الذي نجد في الإنجيل، وأنه الرسول الذي بشر به عيسى ابن مريم، أنزلوا حيث شئتم، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا الذي أحمل نعليه وأوضِّئه" ([7]).
إن في هذه الرواية يواجه النجاشي أهل الحبشة والقسيسين والرهبان ويجهر بالاعتقاد الصحيح في عيسى عليه السلام، ويشهد أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله وأنه الذي جاءت صفته في الإنجيل، وأنه الذي بشّر به عيسى ابن مريم، وهذا يدل على صلابة النجاشي في دينه، وأنه جاهر بعقيدته ولم يرده عن ذلك مخالفة المخالفين له، فصرّح بما يراه حقا، ووفر الملاذ الآمن للصحابة المهاجرين، ولم يسمح لأي أحد بإيذائهم، بل جعل غرامة على كل من يؤذيهم، فقال لهم بعد ما سمع قولهم في عيسى ابن مريم عليه السلام: "أيؤذيكم أحد؟ قالوا: نعم! فنادى مناد: من آذى أحدا منهم فاغرموه أربعة دراهم، ثم قال: أيكفيكم؟ قلنا: لا، فأضعفها" ([8]).
وهذه المواقف الثابتة الجريئة منه تقود الباحث إلى التريّث وعدم التسرّع في القول بأنه لم يحكم بشرع الله.
وقد دل الدليل الصحيح أن المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة كانت تمر عليهم مدة من الزمن قبل أن يبلغهم ما نزل من الدين، بل وربما لم يعلموا به إلا عند عودتهم من الهجرة، فعن عبد الله بن مسعود قال: "كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه، فلم يرد علينا، وقال: إن في الصلاة شغلا" ([9]).
قال شيخ الإسلام في "شرح العمدة" 2/ 559-560:
"وقد ذكر عن عطاء وقتادة أن النجاشي كان يصلي إلى بيت المقدس إلى أن مات، وقد مات بعد نسخ القبلة بسنين متعددة، فلما صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقي في أنفس الناس لأنه كان يصلي إلى غير الكعبة حتى أنزل الله هذه الآية، وهذا - والله أعلم - بأنه قد كان بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس فصلى إليه ولهذا لم يصل إلى المشرق الذي هو قبلة النصارى، ثم لم يبلغه خبر النسخ لبعد البلاد فعذر بها كما عذر أهل قباء وغيرهم، فإن القبلة لما حولت لم يبلغ الخبر إلى من بمكة من المسلمين، ومن كان بأرض الحبشة من المهاجرين: مثل جعفر وأصحابه ومن كان قد أسلم ممن هو بعيد عن المدينة إلى مدة طويلة أو قصيرة، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدا منهم بإعادة ما صلاه إلى بيت المقدس قبل علمه بالناسخ، وما ذلك إلا لأنه معذور لعدم العلم وأنه كان متمسكا بشريعة فلما لم يبلغه نسخها لم يثبت في حقه حكم النسخ، لأن الله لا يكلفه علم الغيب فكذلك من اجتهد واستفرغ وسعه أو عميت عليه الأدلة لا يكلفه الله إلا وسعه".
فالقائل: إن النجاشي رحمه الله لم يحكم بشرع الله، يلزمه أن يبين ما التشريع الذي فُرض على المسلمين وبلغ النجاشي ولم يعمل به، فلا يجوز أن ننسب لمثله أنه لم يحكم بما وجب عليه من دين الله تعالى بدون خبر ولا رواية لأن هذا من الرجم بالغيب لا سيما أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد أمر بالاستغفار له، ووصفه بأنه أخو لأصحابه، فقال: "استغفروا لأخيكم" ([10]) - يعني النجاشي - ووصفه بأنه رجل صالح، فقال: "مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة" ([11]).
وإن النبي صلى الله عليه وسلم في أول دعوته لم يكن يطلب من الناس أكثر من التوحيد وبعض مكارم الأخلاق، بل كان يأمر بعض من يأتي إليه في مكة مؤمنا أن يكتم إيمانه والرجوع إلى أهله، وأن يرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا رآه قد ظهر وغلب من خالفه، وحديث إسلام عمرو بن عبسة أكبر شاهد على ذلك، ففيه أنه قال للرسول صلى الله عليه وسلم: "إني متبعك، قال: إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس، ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني. قال: فذهبت إلى أهلي، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكنت في أهلي فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة، حتى قدم على نفر من أهل يثرب من أهل المدينة، فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سراع، وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة فدخلت عليه، فقلت: يا رسول الله أتعرفني قال: نعم أنت الذي لقيتني بمكة" ([12]).
ثم إن كثيرا من الأحكام التي نزلت في المدينة كانت مقررة عند أهل الكتاب، فيما أنزل الله في كتبه السابقة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 16/ 44:
"كثير من شرائع الكتابين يوافق شريعة القرآن".
وأهل الكتاب مأمورون في الحكم بينهم بما أنزل الله في كتبه لهم، والحكم فيهم بذلك لا يمثل لهم خروجا عن الدين، فحكم النجاشي رحمه الله تعالى بينهم بشريعة القرآن التي توافق ما في كتابهم لا يكون مستغربا منه، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ . وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، فكل هذه الحدود موجودة في التوراة، وهم مأمورون بالحكم بها، ثم قال الله تعالى: {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ . وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، وإن حد الرجم للزاني والزانية موجود في التوراة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي ويهودية قد أحدثا جميعا، فقال لهم: ما تجدون في كتابكم؟ قالوا: إن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتجبيه، قال عبد الله بن سلام: ادعهم يا رسول الله بالتوراة، فأتي بها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، وجعل يقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له ابن سلام: ارفع يدك، فإذا آية الرجم تحت يده، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما قال ابن عمر: فرجما عند البلاط، فرأيت اليهودي أجنأ عليها" ([13]).
فأهل الكتاب اليهود والنصارى مأمورون في الحكم فيما بينهم بما أنزل الله على رسله في التوراة والإنجيل، والنجاشي رحمه الله تعالى قبل أن يسلم كان نصرانيا متبعا للإنجيل، فليس غريبا أن يحكم النجاشي بعد إسلامه بين قومه بحكم القرآن فيما لم يظهر مخالفته لحكم التوراة والإنجيل، فيكون هو حاكما بما أنزل الله ولا يتفطن النصارى لذلك، لموافقته لما عندهم، وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن النجاشي كان حاكما عادلا، فقال لأصحابه حاثا لهم على الهجرة إلى أرض الحبشة: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه" ([14]).
 ولا يكون بهذه المثابة وهو يحكم بغير ما يجد في كتاب الله التوراة والإنجيل المأمور باتباعه.
الخلاصة: أن النجاشي رحمه الله تعالى قد أظهر الإسلام والموافقة على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وما قاله الصحابة في حضرته، ولم يبال بمخالفة أركان دولته له، ولم يكن ينقاد لأحد منهم، وكان يعمل بما بلغه من أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما ما لم يبلغه فهو معذور فيه، ولم تكن شرائع الدين قد اكتملت، وهو قد مات رحمه الله تعالى قبل أن يكتمل الدين، فقد أدى ما وجب عليه من العمل بما بلغه من الشرع حتى لقي ربه، وما خالف ذلك من الأقوال فلا دليل عليه.
ثم إن قياس الحكام الذين بدّلوا الشريعة بما وقع للنجاشي لمن القياس الفاسد، والرأي الكاسد، ذلك أن النجاشي لم يكن يحكمهم بشرائع الإسلام ثم بدلها إلى شرائع الكفر، فقياسه على الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله لمن أبطل الباطل، فإن الأحكام قد استقرت، وأكمل الله تعالى الدين، وأظهره على الدين كله، وتعهّد بحفظه، فلا يجني جان إلا على نفسه.
شبهة والرد عليها:
جاء في "البداية والنهاية" 2/ 77 لابن كثير "قال زياد عن محمد بن إسحاق: حدثني جعفر ابن محمد عن أبيه، قال: اجتمعت الحبشة فقالوا للنجاشي: إنك فارقت ديننا وخرجوا عليه، فأرسل إلى جعفر وأصحابه فهيأ لهم سفنا، وقال: اركبوا فيها وكونوا كما أنتم، فإن هزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم وإن ظفرت فاثبتوا، ثم عمد إلى كتاب فكتب فيه هو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، ويشهد أن عيسى عبده ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم ثم جعله في قبائه عند المنكب الأيمن، وخرج إلى الحبشة وصفوا له، فقال: يا معشر الحبشة ألست أحق الناس بكم؟ قالوا: بلى! قال: فكيف أنتم بسيرتي فيكم؟ قالوا خير سيرة، قال: فما بكم؟ قالوا فارقت ديننا، وزعمت أن عيسى عبده ورسوله، قال؟ فما تقولون أنتم في عيسى؟ قالوا: نقول هو ابن الله، فقال النجاشي- ووضع يده على صدره على قبائه -: وهو يشهد أن عيسى ابن مريم لم يزد على هذا، وإنما يعني على ما كتب، فرضوا وانصرفوا، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات النجاشي صلى عليه واستغفر له".
قلت: هذه الرواية ضعيفة، إسنادها منقطع، فأين شهد أبو جعفر هذه القصة؟! بينه وبين زمانها مفاوز.







[1] - متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.

[2] - متفق عليه من حديث جابر، ولفظه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة".

[3] - ينظر "دلائل النبوة" للبيهقي 2/ 309-310، و "السيرة النبوية لابن كثير" 2/ 43، و"البداية والنهاية" 3/ 84.

[4] - ينظر "تاريخ الطبري" 2/ 132، و "تاريخ ابن خلدون" 2/ 37، كذلك "أسد الغابة".

[5] - إسناده حسن - أخرجه أحمد 1/ 201-203 و 5/ 290-293، واسحاق بن راهويه (1835)، وابن خزيمة (2260) مختصرا، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 115، وفي "دلائل النبوة" (194)، والبيهقي 9/ 144، وفي "دلائل النبوة" 2/ 301-304 من طريق محمد بن إسحاق ( وهو عنده في  "السيرة" (ص 213- 216) ) حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، عن أم سلمة مطولا.
وعند إسحاق بن راهويه مقرونا بأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام:
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعروة بن الزبير.

[6] - ينظر "دلائل النبوة" 2/ 294-295 للبيهقي، و "دلائل النبوة" (99) لقوام السنة.

[7] - أخرجه أحمد 1/ 461، والطيالسي (344)، وسعيد بن منصور في "سننه" (2481)، ولوين في "حديثه" (4)، والبيهقي 2/ 361، وفي "دلائل النبوة " 2/298 عن حديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عتبة، عن ابن مسعود مطولا.
وجوّد إسناده الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" 3/ 69، وحسنه الحافظ في "الفتح " 7/ 189.

[8] - أخرجه البزار (1328) مختصرا، والطبراني 2/ (1478)، وفي "الأحاديث الطوال" (14)، وابن المخلص في "المخلصيات" (1979) من طريق أسد بن عمرو الكوفي، حدثنا مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 9/ 419:
"فيه أسد بن عمرو، ومجالد بن سعيد، وثقهما غير واحد وضعفهما جماعة، وبقية رجاله ثقات".

[9] - متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود.

[10] - متفق عليه من حديث أبي هريرة.

[11] - متفق عليه من حديث جابر.

[12] - أخرجه مسلم (832) وقد استوفيت تخريجه في "أحاديث الأحكام رواية ودراية" (88).

[13] - متفق عليه.

[14] - ينظر "سيرة ابن هشام" 1/ 321، و "تاريخ الطبري" 2/ 330.




الأحد، 11 مارس 2018

الجزاء من جنس العمل


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الأصل في المؤمن أنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء" أخرجه الترمذي (1977)، وحسنه، وصححه ابن حبان (192)، والحاكم 1/ 12.
فالمؤمن بعيد عن السب والشتم ولا يستخدم الألفاظ البذيئة في جد ولا هزل ولا في رضا أو غضب، قال الله تعالى {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}، وعن أنس بن مالك "أن اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: السام عليكم.
فقالت عائشة: السام عليكم يا إخوان القردة والخنازير، ولعنة الله وغضبه، فقال: يا عائشة، مه. فقالت: يا رسول الله أما سمعت ما قالوا؟ قال: أو ما سمعت ما رددت عليهم؟ يا عائشة، لم يدخل الرفق في شيء إلا زانه، ولم ينزع من شيء إلا شانه".
أخرجه أحمد 3/ 241، ومن طريقه الضياء في "الأحاديث المختارة" (1668) بإسناد فيه ضعف، والشطر الأخير صحيح.
وفي لفظ بإسناد صحيح عند الترمذي (1974)، وابن ماجه (4185)، وأحمد 3/ 165، وابن حبان (551) "ولا كان الفحش في شيء قط إلا شانه".
وإن اللفظ الذي ورد في قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه لعروة، لم يكن لابتداء الكلام به، فالذي حمل أبو بكر عليه هو أنه أراد المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يُعبد مقام أمه، وحمَله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار، فهو خرج تأديبا لمن أجرم في القول، أو الفعل، فاستحق أن يسب زجرا لجرمه، فجاء هذا اللفظ مقابلة لدعوى عروة الكاذبة، فجزاء العامل من جنس عمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر: {جَزَاءً وِفَاقا}.
ونحوه "أعضوه بهن أبيه" فهو عقوبة لمن دعا بدعوى الجاهلية، أي: أنه شُرع ردّا على مرتكبٍ لمحرَّم وهو التعصب الجاهلي لأنه يدعو برجل من أهل النار، فقد كان يقول أهل الجاهلية: يا لبكر، يا لتميم، يا لهمدان!!
فمن دعا كذلك من هؤلاء الجاهلية الذين من أهل النار: كان مستحقّا للعقوبة، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم عقوبته أن يقابل بالاستخفاف بمن دعاه، وبالذي دعا إليه، ولينتهي الناس عن هذه الدعوة الجاهلية، وإلا فالأصل في المسلم أنه لا يكون بذيئا لكن إذا وجد من هذه صفته فوجب عليه أن ينكر عليه أشد النكير حتى يرتدع عن فعله.
قال ابن المنير:
 "في قول أبي بكر تخسيس للعدو، وتكذيبهم، وتعريض بإلزامهم من قولهم (إن اللات بنت الله!!) تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا، بأنها لو كانت بنتا:
لكان لها ما يكون للإناث".
وقال ابن القيم:
"وفي قول الصِّدِّيق لعروة (امصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ) دليلٌ على جواز التصريح باسم العَوْرة، إذا كان فيه مصلحة تقتضيها تلك الحال، كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يُصرَّح لمن ادَّعى دعوى الجاهلية بِهَنِ أبيه، ويقال له (اعضُضْ أيْرَ أبيك) ولا يُكْنَى له، فلكل مقام مقال".

كتبه الفقير إلى الله تعالى
أبو سامي العبدان
حسن التمام
23 – جمادي الآخرة – 1439 هجري



الأحد، 4 فبراير 2018

نصيحة وبيان وبراءة


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإنه من الواجب بيان الخطأ لمن عرفه، وإن الدين النصيحة، وقد رأيت غير مرة بعض الناس في بعض المواقع يبايعون حكاما لا يحكّمون شريعة الله، بل يدينون بالديمقراطية وحرية الاعتقاد، فهل الديمقراطية من شرع الله؟! وهل حرية الاعتقاد من شرع الله؟! إن هؤلاء الحكام المبايَعون على هذا المنهج سائرون، ولهواهم متبعون، ولشريعة الله منابذون، وعن طريق الرشاد متنكبون، فوجب بيان الحال {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}.
قال القرطبي في "تفسيره" 1/ 270:
"لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز أن تعقد الإمامة لفاسق".
قلت: وبالاتفاق أن استبدال الشريعة كفر، وإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل السمع والطاعة مشروطة بإقامة كتاب الله، ففي صحيح مسلم (1838) و (1298)، وغيره:
"اسمعوا وأطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشي مجدع ما أقام لكم كتاب الله".
فإن قيل: لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا، ما صلوا".
وهذا الحاكم يصلي وإن كان لا يحكم بكتاب الله؟!
فجوابه: أن هذا يفيد منع الخروج عليهم ما داموا على كلمة الإسلام، ولم يظهروا كفرا بينًا، فإذا أظهر الكفر بترك الحكم بكتاب الله واستبداله بالقوانين الوضعية فهو كافر وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، قال تعالى:
{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}، قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 28/ 524:
"ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب".
وقال ابن كثير في "التفسير" 3/ 119 - عند تفسير قوله تعالى {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} : "ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم اليساق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير، قال الله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون} أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون {ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} أي: ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه، وآمن به وأيقن وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء".
وقال في "البداية والنهاية" 13/ 139:
"فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا ([1]) وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين، قال الله تعالى {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [المائدة: 50] وقال تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65]".
قال ابن حزم في "الإحكام" 5/ 173:
"لا خلاف بين اثنين من المسلمين....أن من حكم بحكم الإنجيل مما لم يأتِ بالنص عليه وحي في شريعة الإسلام فإنه كافر مشرك خارج عن الإسلام".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 35/ 200:
"نُسَخُ هذه التوراة مبدلة لا يجوز العمل بما فيها، ومن عمل اليوم بشرائعها المبدلة والمنسوخة فهو كافر".
وقال ابن القيم في "أحكام أهل الذمة" 1/ 533:
"وقد جاء القرآن وصحَّ الإجماع بأنَّ دين الإسلام نَسَخَ كل دين كان قبله، وأنَّ من التزم ما جاءت به التوراة والإنجيل ولم يتبع القرآن فإنَّه كافر، وقد أبطل الله كلَّ شريعة كانت في التوراة والإنجيل وسائر الملل، وافترض على الجن والإنس شرائع الإسلام، فلا حرام إلا ما حرمه الإسلام، ولا فرض إلا ما أوجبه الإسلام".
فإذا كان من اتبع التوراة أو الإنجيل عند ابن حزم، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم كافرًا، فكيف بمن اتبع القوانين الوضعية التي هي من صنع البشر وحثالة عقولهم؟!
وقال الشوكاني بعد كلام له في كفر من يتحاكم إلى غير شريعة الله في رسالته "دفع الصائل" (ص 12) مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية الجزء الثاني:
"ولا شك ولا ريب أن هذا كفر بالله سبحانه وتعالى، وبشريعته التي أمر على لسان رسوله، واختارها لعباده في كتابه وعلى لسان رسوله، بل كفروا بجميع الشرائع من عند آدم عليه السلام إلى الآن، وهؤلاء جهادهم واجب وقتالهم متعين حتى يقبلوا أحكام الإسلام ويذعنوا لها ويحكموا بينهم بالشريعة المطهرة ويخرجوا من جميع ما هم فيه من الطواغيت الشيطانية...".
ودليل كفر الحاكم الذي تبنّى قوانين وضعية من عند نفسه أو وضعت له ممن قبله وهو يمشي عليها غير منكر لها في قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، وقال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}، وقال سبحانه: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}، وعن علقمة، ومسروق، أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة، فقال: هي من السحت. قال: فقالا: أفي الحكم؟ قال: ذلك الكفر، ثم تلا هذه الآية: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}" ([2]).
- وبنحو قول ابن مسعود قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال: هي به كفر ([3]).
قال العلّامة محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ كما في "فتاواه ورسائله" 12/ 288-289:
"فانظر كيف سجل الله تعالى على الحاكمين بغير ما أنزل الله بالكفر والظلم والفسوق ومن الممتنع أن يسمى الله سبحانه وتعالى بغير ما أنزل الله (كافرا) ولا يكون كافرا بل هو كافر مطلقا إما كفر عمل وإما كفر اعتقاد...
ثم عدّد رحمه الله تعالى أنواع الكفر الاعتقادي، فقال:
"الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ومشاقة لله ولرسوله ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعدادا وإمدادا وإرصادا وتأصيلا وتفريعا، وتشكيلا وتنويعا، وحكما وإلزاما، ومراجع مستمدات، فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع مستمدات مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتى، وقوانين كثيرة، كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي، والقانون البريطاني وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك، فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام، مهيأة مكملة، مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب، من أحكام ذلك القانون، وتلزمهم به وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم، فأي كفر فوق هذا؟ وأي مناقضة للشهادة بأن محمدا رسول الله بعد هذه المناقضة؟!" [(4)].
وقال الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين" 2/ 261-263:
"إن الذين يحكمون القوانين الآن، ويتركون وراءهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما هم بمؤمنين، ليسوا بمؤمنين، لقول الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} ولقوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، وهؤلاء المُحكِّمون للقوانين لا يحكمونها في قضية معينة خالفوا فيها الكتاب والسنة، لهوى أو لظلم، ولكنهم استبدلوا الدين بهذا القانون، وجعلوا هذا القانون يحل محل شريعة الله وهذا كفر حتى لو صلوا وصاموا وتصدقوا وحجوا، فهم كفار ما داموا عدلوا عن حكم الله - وهم يعلمون بحكم الله - وإلى هذه القوانين المخالفة لحكم الله {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}، فلا تستغرب إذا قلنا: إن من استبدل شريعة الله بغيرها من القوانين فإنه يكفر ولو صام وصلى، لأن الكفر ببعض الكتاب كفر بالكتاب كله، فالشرع لا يتبعض، إما تؤمن به جميعا، وإما أن تكفر به جميعا، وإذا آمنت ببعض كفرت ببعض، فأنت كافر بالجميع، لأن حالك تقول: إنك لا تؤمن إلا بما لا يخالف هواك، وأما ما خالف هواك فلا تؤمن به، هذا هو الكفر، فأنت بذلك اتبعت الهوى، واتخذت هواك إلها من دون الله.
فالحاصل أن المسألة خطيرة جدا، من أخطر ما يكون بالنسبة لحكام المسلمين اليوم، فإنهم قد وضعوا قوانين تخالف الشريعة وهم يعرفون الشريعة، ولكن وضعوها - والعياذ بالله - تبعا لأعداء الله من الكفرة الذين سنوا هذه القوانين ومشى الناس عليها، والعجب أنه لقصور علم هؤلاء وضعف دينهم، أنهم يعلمون أن واضع القانون هو فلان بن فلان من الكفار، في عصر قد اختلفت العصور عنه من مئات السنين، ثم هو في مكان يختلف عن مكان الأمة الإسلامية، ثم هو في شعب يختلف عن شعوب الأمة الإسلامية، ومع ذلك يفرضون هذه القوانين على الأمة الإسلامية، ولا يرجعون إلى كتاب الله ولا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأين الإسلام؟! وأين الإيمان؟! وأين التصديق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه رسول إلى الناس كافة؟ وأين التصديق بعموم رسالته وأنها عامة في كل شيء؟، كثير من الجهلة يظنون أن الشريعة خاصة بالعبادة التي بينك وبين الله عز وجل فقط، أو في الأحوال الشخصية من نكاح وميراث وشبهه، ولكنهم أخطئوا في هذا الظن، فالشريعة عامة في كل شيء، وإذا شئت أن يتبين لك هذا، فاسأل ما هي أطول آية في كتاب الله؟ سيقال لك إن أطول آية هي: آية الدين: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين....} [البقرة: 282] كلها في المعاملات، فكيف نقول إن الشرع الإسلامي خاص بالعبادة أو بالأحوال الشخصية، هذا جهل وضلال، إن كان عن عمد فهو ضلال واستكبار، وإن كان عن جهل فهو قصور، والواجب أن يتعلم الإنسان ويعرف، نسأل الله لنا ولهم الهداية".
وإن التشريع حق خالص لله وحده لا شريك له، فمن شرع غير ما أنزل الله فهو ممن نازع الله في شيء منه، وإن فاعله مشرك، قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}، وقال تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك يُريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيدا}، فيا دعاة الإسلام، التوحيد أولا، وانبذوا عنكم الجهل، ولا تجعلوا عليكم وليًا لأمركم لا يحكم بما أنزل الله، قد ارتضى القوانين الوضعية وحكم بها على عباد الله وجعلها دستورا لا يجوز مخالفته أو العمل بخلافه، ونحن إذ نبيّن حالهم لا ندعو إلى عزلهم لأن المسلمين اليوم في حالة ضعف لا يستطيعون ذلك، فحقنًا لدماء المسلمين لا يجوز الدعوة إلى ذلك، ولكن هذا لا يمنع بيان ضلالهم وانحرافهم عن أمر الله تعالى، قال النووي في "شرح مسلم" 12/ 229:
"قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل. قال: وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها. قال: وكذلك عند جمهورهم البدعة. قال: وقال بعض البصريين: تنعقد له وتستدام له لأنه متأول.
قال القاضي: فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه، فإن تحققوا العجز لم يجب القيام وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفر بدينه...".
قلت: فتدبر قوله (فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية) فكيف ينادي بعضهم ببيعة لهؤلاء الذين أساس حكمهم منابذة الشرع وأحكامه، ويسميهم أولياء أمور؟!
وقال النووي عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم (إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان): المراد بالكفر هنا المعاصي، ومعنى (عندكم من الله فيه برهان) أي: تعلمونه من دين الله تعالى، ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم، وقولوا بالحق حيث ما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل وحكي عن المعتزلة أيضا فغلط من قائله مخالف للإجماع، قال العلماء: وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه".
واذكركم بقوله صلى الله عليه وسلم "ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع.
قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا".
أخرجه مسلم (1854)، وغيره من حديث أم سلمة.
وفي "جزء أبي طاهر الذهلي" (27)، وبنحوه في "البدع لابن وضاح" (278) "سيكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع فذلكم الهالك".
قال النووي في "شرح مسلم" 12/ 243:
"هذا الحديث فيه معجزة ظاهرة بالإخبار بالمستقبل ووقع ذلك كما أخبر صلى الله عليه وسلم، وأما قوله صلى الله عليه وسلم (فمن عرف فقد برئ) وفي الرواية التي بعدها (فمن كره فقد برئ) فأما رواية من روى (فمن كره فقد برئ) فظاهرة ومعناه: من كره ذلك المنكر فقد برئ من إثمه وعقوبته، وهذا في حق من لا يستطيع إنكاره بيده ولا لسانه فليكرهه بقلبه وليبرأ، وأما من روى (فمن عرف فقد برئ) فمعناه - والله أعلم - فمن عرف المنكر ولم يشتبه عليه فقد صارت له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيديه أو بلسانه فإن عجز فليكرهه بقلبه وقوله صلى الله عليه وسلم (ولكن من رضي وتابع) معناه ولكن الإثم والعقوبة على من رضي وتابع، وفيه دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت بل إنما يأثم بالرضى به أو بأن لا يكرهه بقلبه، أو بالمتابعة عليه، وأما قوله (أفلا نقاتلهم قال: لا ماصلوا) ففيه معنى ما سبق أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق مالم يغيروا شيئا من قواعد الإسلام".
 الحاكم الذي لا يحكم بشرع الله عز وجل لا يصح ولا يقبل أن تستمد شرعيته كولي أمر شرعي ولا يجوز أن يكون له أحكام ولي الأمر المترتبة على هذه الولاية، لأن كلمة ولي الأمر تعني "من ولي أمر المسلمين في دينهم" ولا يخفى علينا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ولقد سمى الله عز وجل العلماء: أولي أمر حيث قال عز وجل {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}.
فولاية أمر المسلمين إنما هي ولاية دينية، قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 28/ 390:
"يجب أن يُعرف أن ولاية أمر الناس، من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلاّ بها".
وقال شيخ الإسلام في "الحسبة" (ص 11):
"وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى، مثل نيابة السلطنة، والصغرى مثل ولاية الشرطة، وولاية الحكم، أو ولاية المال وهي ولاية الدواوين المالية، وولاية الحسبة".
وقال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" 28/ 37:
"والكتاب: هو الحاكم بين الناس شرعا ودينا وينصر القائم نصرا وقدرا، وقد قال الله تعالى: {إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين}، وقال تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها} إلى قوله: {والله ولي المتقين}، وقال تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} إلى قوله: {إن الله قوي عزيز} و "الميزان" هو: العدل وما به يعرف العدل وأنزل الحديد لينصر الكتاب، فإن قام صاحبه بذلك كان سعيدا مجاهدا في سبيل الله، فإن الله نصر الكتاب بأمر من عنده، وانتقم ممن خرج عن حكم الكتاب كما قال تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين} إلى قوله: {والله عزيز حكيم}". 
وكل الأحاديث التي تذكر أولياء الأمور لا يمكن تنزيلها على الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله، إنما هي في حكام ظلمة فجرة أو فسقة لا يهتدون بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم كما ينبغي ويجب، وإن دولهم قائمة بشرع الله عز وجل وعماد ولايتهم الحكم بما أنزل الله، وقد تقدّم الكلام حول هذا في بداية المقال لكن لا مانع من إعادته هنا حتى تكتمل الصورة وتتضح فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل السمع والطاعة مشروطة بإقامة كتاب الله، ففي صحيح مسلم (1838) و (1298)، وغيره:
"اسمعوا وأطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشي مجدع ما أقام لكم كتاب الله".
فإن قيل: لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا، ما صلوا".
وهذا الحاكم يصلي وإن كان لا يحكم بكتاب الله؟!
فجوابه: أن هذا يفيد منع الخروج عليهم ما داموا على كلمة الإسلام، ولم يظهروا كفرا بينًا، فإذا أظهر الكفر بترك الحكم بكتاب الله واستبداله بالقوانين الوضعية فهو كافر وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، قال تعالى:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}، فيشترط لصحة ولايته على المسلمين أن يحكم بشرع الله وإن كان فاسقا.
وقال الله تعالى {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [المائدة: 50] وقال تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65]".
والتشريع حق خالص لله وحده لا شريك له، فمن شرع غير ما أنزل الله فهو ممن نازع الله في شيء منه، وإن فاعله مشرك، قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}، وقال تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك يُريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيدا}
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 28/ 524:
"ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب".
وعن علقمة، ومسروق، أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة؟ فقال: هي من السحت. قال: فقالا: أفي الحكم؟ قال: ذلك الكفر، ثم تلا هذه الآية: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}" [(2)].
وإننا نعتقد أن من تولى بمقتضى الدساتير والقوانين الوضعية أنهم ليسوا ولاة أمور شرعيين، مسلمين كانوا أو كفارًا، أقيمت عليهم الحجة أو لم تُقم، بل هم أنفسهم لا يقولون عن أنفسهم أنهم ولاة أمور للمسلمين، ولم يدَّعوا يومًا أنهم أخذوا بيعة من أحد، إنما هو قَسَمٌ يُقسِم عليه أناس أغلبهم من الفسقة والمنافقين في تنصيب حاكم عليهم، وهو بدوره يقسم على احترام الدستور وسيادة القانون، فهل يقول عاقل فضلاً عن عالم أن هذه بيعة، بل وينسبها للشرع؟!
سبحانك هذا بهتان عظيم!
وقد خرج علينا كل لصيق دعي بهذه الدعوة المباركة وهي من جهلهم وأهواءهم براء، فمنهم من يثني على رسالة عمان، والآخر يثني على العلماني ويسميه خليفة المسلمين، وآخرهم اليوم ينوب عن الحكومة العلمانية فيخاطب شعبه بالالتفاف حولها ويسميها القيادة الحكيمة ويوجب لها البيعة، ونحن لا يعنينا هذا الشخص إذا تكلم عن نفسه أما أن يغطي كلامه بغطاء شرعي فيحرّم منازعة أو منافسة العلماني، فهذا هو الذي يجعلنا نغضب غضبة لله ونتكلم فيه وفيمن يلبّس على الناس دينهم.
وإن التكفير للمعيّن لا يكون إلا بعد إقامة الحُجة، وإزالة الشُبهة، فلا بد فيه من استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، فليس كل من وقع في الكفر يُكفَّر لمجرد ذلك.
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والتكفير من الوعيد، فإنه وإن كان القول تكذيبا لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفُرُ بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأوليها، وإن كان مخطئا.
وكنتُ دائما أذكر الحديث الذي في الصحيحين، في الرجل الذي قال: (إذا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروني في اليم، فو الله لئن قدر الله عليّ ليعذبني عذابا ما عذّبه أحدا من العالمين. ففعلوا به ذلك، فقال الله له: ما حملك على ما فعلتَ، قال: خشيتك، فغفر له.
فهذا رجلٌ قد شك في قدرة الله، وفي إعادته إذا ذري، بل اعتقد أنه لا يُعاد، وهذا كفرٌ باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلاً، لا يعلم ذلك، وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له بذلك. والمتأول من أهل الاجتهاد، الحريص على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، أولى بالمغفرة من ذلك".
وقال: "فليس لأحد أن يُكفِّر أحدا من المسلمين، وإن أخطأ وغلط، حتى تُقام عليه الحجة، وتُبيَّن له المحجّة، ومن ثبت إسلامه بيقين، لم يزل عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة".


كتبه الفقير إلى الله تعالى
أبو سامي العبدان
حسن التمام
18 - جمادي الأولى - 1439 هجري





[1] - الياسا أو الياسق: كتاب وضعه جنكز خان المغولي من مصادر متعددة، وذكر الجويني شيئا من أحكامه، منها أن من زنا قتل، محصنا كان أو غير محصن، وكذلك من لاط قتل، ومن تعمد الكذب قتل، ومن سحر قتل، ومن تجسس قتل، ومن دخل بين اثنين يختصمان فأعان أحدهما قتل، ومن بال في الماء الواقف قتل، ومن انغمس فيه قتل، ومن أطعم أسيرا أو سقاه أو كساه بغير إذن أهله قتل، ومن وجد هاربا ولم يرده قتل، ومن أطعم أسيرا أو رمى  إلى أحد شيئا من المأكول قتل، بل يناوله من يده إلى يده، ومن أطعم أحدا شيئا فليأكل منه أولا ولو كان المطعوم أميرا لا أسيرا، ومن أكل ولم يطعم من عنده قتل، ومن ذبح حيوانا ذبح مثله بل يشق جوفه ويتناول قلبه بيده يستخرجه من جوفه أولا".
قال العلّامة أحمد شاكر في تعليقه على "عمدة التفسير" 1/ 696:
"أفيجوز مع هذا في شرع الله أن يُحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوربا الوثنية الملحدة، بل بتشريع تدخله الأهواء والآراء الباطلة، يغيرونه ويبدلونه كما يشاؤون، لا يبالي واضعه أوافق شرعة الإسلام أم خالفها؟!
إن المسلمين لم يُبلَوا بهذا قط - فيما نعلم من تاريخهم - إلا في ذلك العهد، عهد التتار، وكان من أسوأ عهود الظلم والظلام، ومع هذا فإنهم لم يخضعوا له، بل غلب الإسلامُ التتار، ثم مزجهم فأدخلهم في شرعته، وزال أثر ما صنعوا، بثبات المسلمين على دينهم وشريعتهم، وبأن هذا الحكم السيء الجائر كان مصدره الفريق الحاكم إذ ذاك، لم يندمج فيه أحد من أفراد الأمم الإسلامية المحكومة، ولم يتعلموه، ولم يعلموه أبناءهم، فما أسرع ما زال أثره.
أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير - في القرن الثامن - لذلك القانون الوضعي، الذي صنعه عدو الإسلام جنكز خان؟ ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر، في القرن الرابع عشر، إلا في فرق واحد، أشرنا إليه آنفا، أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام، أتى عليها الزمن سريعا، فاندمجت في الأمة الإسلامية، وزال أثر ما صنعت.
ثم كان المسلمون أسوأ حالا، وأشد ظلما وظلاما منهم، لأن أكثر الأمم الإسلامية تندمج في هذه القوانين المخالفة للشريعة، والتي هي أشبه شيء بذاك الياسق الذي اصطنعه رجل كافر ظاهر الكفر، هذه القوانين التي يصطنعها ناسٌ ينتسبون للإسلام، ثم يتعلمها أبناء المسلمين ويفخرون بذلك آباءً وأبناءً، ثم يجعلون مرد أمرهم إلى معتنقي هذا الياسق العصري!! ويحقرون من يخالفهم في ذلك، ويسمون من يدعوهم إلى الاستمساك بدينهم وشريعتهم رجعيا، وجامدا! إلى مثل ذلك من الألفاظ البذيئة، بل إنهم أدخلوا أيديهم فيما بقي في الحكم من التشريع الإسلامي، يريدون تحويله إلى ياسقهم الجديد، بالهوينا واللين تارةً، وبالمكر والخديعة تارةً، وبما ملكت أيديهم من السلطات تارات، ويصرحون - ولا يستحيون - بأنهم يعملون على فصل الدولة عن الدين!!
أفيجوز إذاً - مع هذا - لأحدٍ من المسلمين أن يعتنق هذا الدين الجديد، أعني التشريع الجديد؟!
أو يجوز لأب أن يرسل أبناءه لتعلم هذا واعتناقه واعتقاده والعمل به، عالما كان الأب أو جاهلاً؟!
يقول: أو يجوز لرجل مسلم أن يلي القضاء في ظل هذا: الياسق العصري، وأن يعمل به ويعرض عن شريعته البينة؟!
ما أظن أن رجلا مسلما يعرف دينه ويؤمن به جملة وتفصيلا، ويؤمن بأن هذا القرآن أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم كتابا محكما، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبأن طاعته وطاعة الرسول الذي جاء به صلى الله عليه وسلم واجبة قطعية الوجوب في كل حال، ما أظنه يستطيع إلا أن يجزم غير متردد ولا متأول؛ بأن ولاية القضاء في هذه الحال باطلة بطلانا أصليا، لا يلحقه التصحيح ولا الإجازة!
إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، هي كفر بواح، لا خفاء فيه ولا مداراة، ولا عذر لأحدٍ ممن ينتسب للإسلام - كائناً من كان - في العمل بها، أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤ لنفسه، وكل امرئ حسيب نفسه، ألا فليصدع العلماء بالحق غير هيابين، وليبلغوا ما أمروا بتبليغه غير موانين ولا مقصرين، سيقول عني عبيد هذا الياسق   العصري وناصروه، أني جامد، وأني رجعي، وما إلى ذلك من الأقاويل، ألا فليقولوا ما شاؤوا فما عبأت يوما ما بما يُقال عني ولكن قلت ما يجب أن أقول".
 قلت: رحمك الله تعالى بل سيقول من يدّعي العلم أنك تكفيريٌ، فاللهم رحماك، فقد اختلط الصالح بالطالح، والصادق بالكاذب، والتبست الأمور على مَن لا علم عنده، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

[2] -  صحيح - أخرجه الخلال في "السنة" (1412)، والطبري في "التفسير" (11960) و (12061)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1002) من طريق عبد الملك ابن أبي سليمان، عن سلمة بن كهيل، عن علقمة، ومسروق: به.
وهذا إسناد صحيح، وعند الخلال (الأسود) بدلا عن (مسروق)، وقول الحافظ في عبد الملك بن أبي سليمان من "التقريب":
"صدوق له أوهام".
إنما قال (له أوهام) من أجل أن شعبة تكلم فيه بحديث الشفعة، وقال الترمذي:
"ثقة مأمون، لا نعلم أحدا تكلم فيه غير شعبة، وقال: قد كان حدث شعبة عنه ثم تركه، ويقال: إنه تركه لحديث الشفعة الذى تفرد به".
وقال الإمام أحمد:
"حديثه في الشفعة منكر، وهو ثقة".
ووثقه ابن معين، وابن عمار، والعجلي، ويعقوب بن سفيان، وابن سعد، والنسائي، والدارقطني، وكان سفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك، يصفانه بالميزان – يعني في قوة ضبطه، ولما ذكره ابن خلفون في كتاب "الثقات" قال: وثقه ابن نمير، وابن مسعود.
وله طرق عن ابن مسعود:
1 - أخرجه سعيد بن منصور في "التفسير" (741)، والطبري في "التفسير" (11950)، والقاضي وكيع في "أخبار القضاة" 1 / 44، والطبراني في "الدعاء" (2102) و (2105)، والبيهقي 10/ 139، وفي "الشعب" (5116) من طريق عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، قال:
"سألت ابن مسعود عن السحت، أهو الرشوة في الحكم؟ قال: لا، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، والظالمون، والفاسقون، ولكن السحت: أن يستعينك رجل على مظلمة، فيهدي لك، فتقبله، فذلك السحت".
وهذا إسناد صحيح، لكن لم أجد من ذكر سالم بن أبي الجعد فيمن يروي عن مسروق، وسماعه منه محتمل، لسببين اثنين:
الأول: أن سالما ومسروقا كلاهما كوفي فاللقاء ممكن.
الثاني: أن مسروقا توفي سنة اثنتين أو ثلاث وستين، وأما سالم فتوفي سنة سبع وتسعين أو ثمان وتسعين، وقيل: سنة مائة.
وله طرق عن سالم:
أ - أخرجه مسدد في "مسنده" كما في "المطالب العالية" (2187)، وأبو يعلى (5266)، والبيهقي 10/ 139 من طريق فطر بن خليفة، والطبري في "التفسير" (11947) و (11949) و (11951)، والخلال في "السنة" (1426)، والقاضي وكيع في "أخبار القضاة" 1 / 44، والطبراني في "الدعاء" (2103)، والحاكم كما في "المطالب العالية" 10/ 197، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1013)، والبيهقي 10/ 139 من طريق شعبة، والطبري في "التفسير" (11969) من طريق جرير، ثلاثتهم عن منصور بن المعتمر، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، قال:
"كنت جالسا عند عبد الله، فقال له رجل: ما السحت؟ قال: الرشا. فقال: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر، ثم قرأ: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44]".
وأخرجه الخلال في "السنة" (1413) من طريق عبد العزيز العمي، قال: حدثني منصور بن المعتمر، عن سالم، عن أبي الجعد، عن مسروق به.
ب - أخرجه الطبري في "التفسير" (11958)، والطبراني 9/ (9101) من طريق حكيم بن جبير، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق قال:
"سألت ابن مسعود عن السحت؟ قال: الرشا. فقلت: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر".
وأخرجه ابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1004) من طريق محمد بن إسحاق، عن حكيم، عن سالم، عن أبي الجعد، عن مسروق به.
وإسناده ضعيف من أجل حكيم بن جبير.
جـ - أخرجه الطبري (11951) من طريق شعبة، عن منصور وسليمان الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله أنه قال:
"السحت: الرشى".
وأخرجه الطبري في "التفسير" (11946) من طريق ابن فضيل، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن سالم بن أبي الجعد قال:
"قيل لعبد الله: ما السحت؟ قال: الرشوة. قالوا: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر".
ليس فيه مسروق، ومضافا في إسناده سلمة بن كهيل، والمحفوظ في إسناده ذكر (مسروق).
وله طرق عن مسروق:
الأول: أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" (6382) من طريق عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن بكير بن مرزوق، عن عبيد بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، قال:
"من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمة أو يرد عليه حقا، فأهدى له هدية فقبلها، فذلك السحت. فقلنا: يا أبا عبد الرحمن، إنا كنا نعد السحت الرشوة في الحكم، فقال عبد الله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44]".
ولم أجد بكير بن مرزوق!
والثاني: أخرجه الخلال في "السنة" (1411)، والطبراني 9/ (9098) من طريق شريك، عن السدي، عن أبي الضحى، عن مسروق به.
شريك: ضعيف.
وأخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 6/ 81 عن عمرو بن الهيثم أبي قطن، والطبري في "التفسير" (11961) مطولا من طريق حجاج، والطبراني في "الدعاء" (2104) من طريق أسد بن موسى، ثلاثتهم عن المسعودي، عن بكير بن أبي بكير، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: سمعت ابن مسعود، يقول:
"الأخذ على الحكم كفر".
ولم أجد بكير بن أبي بكير!
وأخرجه الطبري (11963) من طريق عمار الدهني، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق قال:
"سألت ابن مسعود عن السحت أهو الرشى في الحكم؟ فقال: لا، من لم يحكم بما أنزل الله فهو فاسق، ولكن السحت: يستعينك الرجل على المظلمة فتعينه عليها، فيهدي لك الهدية فتقبلها".
والثالث: أخرجه القاضي وكيع في "أخبار القضاة" 1 / 44، والطبري في "التفسير" (11948)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1003) من طريق حريث بن أبي مطر، عن الشعبي، عن مسروق به.
وحريث: ضعيف.
2 - أخرجه سعيد بن منصور في "التفسير" (740)، ومن طريقه الطبراني 9/ (9100)، والقاضي وكيع في "أخبار القضاة" 1 / 44 عن حماد بن يحيى الأبح، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، قال:
"الرشوة في الحكم كفر، وهي بين الناس سحت".
وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 199-200:
"رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله رجال الصحيح".
قلت: إسناده ضعيف، حماد بن يحيى: ضعف من قبل حفظه، وليس هو من رجال الصحيح.
وأبو إسحاق هو السبيعي: مدلس ولم يصرح بالتحديث.
3 - أخرجه القاضي وكيع في "أخبار القضاة" 1 / 44 من طريق السدي، عن عبد خير، قال:
"سئل ابن مسعود عن السحت، قال: الرشا، قلنا: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر".
وإسناده صحيح في المتابعات، وقد أطلق ابن مسعود رضي الله عنه الكفر على من حكم بغير ما أنزل الله من أجل الرشوة، ولم يشر لا من بعيد ولا من قريب إلى الاستحلال، وقال القاسم بن سلام في "الإيمان" (ص 17):
"جهاد أبي بكر الصديق بالمهاجرين والأنصار على منع العرب الزكاة، كجهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الشرك سواء، لا فرق بينها في سفك الدماء، وسبي الذرية، واغتنام المال، فإنما كانوا مانعين لها - يعني الزكاة - غير جاحدين بها".
قال الشيخ سليمان بن سحمان في "الضياء الشارق" (ص 379):
"وأما ما ذكره من قتال أهل الردة، فليس الأمر كما زعم من التفريق، وإن كان قد قال به بعض العلماء، فالحق والصواب ما أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم فإنهم لم يفرقوا بين من ارتدّ، وصدّق مسيلمة الكذاب والأسود العنسي، وطليحة الأسدي، وسجاح، وبين من منع الزكاة، بل قاتلوهم كلهم واستحلوا دماءهم وأموالهم، وسبيهم، وسموهم كلهم أهل الردة، ولم يقولوا لمانع الزكاة: أنت مقر بوجوبها، أو جاحد لها، هذا لم يعهد عن الخلفاء والصحابة، بل قال الصديق رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه: والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول لله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه. فجعل المبيح للقتال مجرد المنع، لا جحد الوجوب.
وقد روي أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب، لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم جميعا سيرة واحدة، وهي قتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم، والشهادة على قتلاهم بالنار، وسموهم جميعهم أهل الردة، وكان من أعظم فضائل الصديق رضي الله عنه أن ثبته الله عند قتالهم، ولم يتوقف كما توقف غيره، فناظرهم حتى رجعوا إلى قوله، كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله".
وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
"إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم".
أخرجه البخاري (2641).

[3] - صحيح - أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (570) عن محمد بن رافع، ومحمد بن يحيى، والخلال في "السنة" (1420) عن الإمام أحمد بن حنبل، والطبري في "التفسير" (12055)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (6435)، ووكيع في "أخبار القضاة" 1/ 41 عن الحسن بن أبي الربيع الجرجاني، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1009) من طريق أحمد بن منصور الرمادي، خمستهم عن عبد الرزاق ( وهو في "تفسيره" (713) ) عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، قال: سئل ابن عباس، عن قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، قال: هي كفر".
 قال ابن طاووس: وليس كمن كفر بالله وملائكته ورسله.
هكذا رواه كل الرواة عن عبد الرزاق، وهو في تفسيره بلفظ "هي به كفر"، واضطرب في هذا اللفظ الحسن بن أبي الربيع الجرجاني فلم يقمه، فقال مرة: "هي به كفر" كما عند الطبري، وقال مرة "كفى به كُفْره" كما في "أخبار القضاة"، وقال مرة "هي كبيرة" كما عند ابن أبي حاتم في "التفسير"، والثابت عن ابن عباس بالإسناد الصحيح "هي به كفر"، وما روي أنه قال: كفر دون كفر، فهذا لا يثبت عنه، ودونك بيان ذلك:
أخرجه سعيد بن منصور في "التفسير" (749)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (569)، والخلال في "السنة" (1419)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (6434)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1010)، والحاكم 2/ 313، وعنه البيهقي 8/ 20، وابن عبد البر في "التمهيد" 4/ 237 من طريق هشام بن حجير، عن طاووس، عن ابن عباس في قوله عز وجل: "{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال: ليس بالكفر الذي تذهبون إليه".
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح الإسناد" وأقره الذهبي!
قلت: بل إسناده ضعيف، هشام بن حجير: يصلح في المتابعات ولا يحتج به، قال يحيى بن سعيد: خليق أن أدعه، وأمر ابن المديني أن يضرب على حديثه.
وضعفه جدا ابن معين، وقال الإمام أحمد: ليس هو بذاك.
وقال عبد الله: سمعتُ أبي يقول: هشام بن حجير، مكي، ضعيف الحديث.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه.
وقال الآجري: سمعت أبا داود قال: هشام بن حجير ضرب الحد بمكة. قلت: في ماذا؟ قال: فيما يضرب فيه أهل مكة.
وذكره العقيلي في "الضعفاء" 4/ 337.
ووثقه ابن سعد، والعجلي، وابن حبان!
ولم يحتج به الشيخان إنما رويا له متابعة، قال الحافظ في "مقدمة الفتح" (ص 448):
"ليس له في البخاري سوى حديثه عن طاووس عن أبي هريرة قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة على تسعين امرأة الحديث أورده في كفارة الأيمان من طريقه وفي النكاح بمتابعة عبد الله بن طاووس له عن أبيه".
قلت: ورواه مسلم أيضا بمتابعة ابن طاووس له، وروى له أيضا (1246) من حديث ابن عباس أن معاوية قال له: "أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص" ثم ذكر على أثره متابعة الحسن بن مسلم له.
 وأخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (571) و (572)، والخلال في "السنة" (1414)، والطبري في "التفسير" (12054)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (853) و (854)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1005) من طريق سفيان الثوري، عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه قال: قال رجل لابن عباس في هذه الآيات: {ومن لم يحكم بما أنزل الله} فمن فعل هذا فقد كفر؟ قال ابن عباس: إذا فعل ذلك فهو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر، وبكذا وكذا".
وأخرجه سفيان الثوري في "تفسيره" (241) عن ابن طاووس، عن أبيه به، ليس فيه معمر!
وإن قوله (ليس كمن كفر بالله واليوم الآخر، وبكذا وكذا) ليس من كلام ابن عباس ولكن من كلام ابن طاووس، هكذا جاء مفصولا عند المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (570)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (6435)، والطبري في "التفسير" (12055)، والخلال في "السنة" (1420)، ووكيع في "أخبار القضاة" 1/ 41، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1009) من طرق عن عبد الرزاق ( وهو في "تفسيره" (713) ) عن معمر به.
وأخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (573) من طريق عبد الرزاق، عن سفيان، عن رجل، عن طاووس، عن ابن عباس، قال:
"كفر لا ينقل عن الملة".
وهذا ضعيف، فيه من أبهم، وقد أخرجه الطبري في "التفسير" (12056) من طريق
 عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن رجل، عن طاووس: {فأولئك هم الكافرون} قال:
كفر لا ينقل عن الملة.
فصار من كلام طاووس!
 وأخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" (6426) و (6450) من طريق أبي صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله:
 {ومن لم يحكم بما أنزل الله} يقول: من جحد الحكم بما أنزل الله فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق.
 يقول: من جحد من حدود الله شيئا فقد كفر".
وهذا إسناد ضعيف، فيه علتان:
الأولى: الانقطاع بين علي بن أبي طلحة وابن عباس، قال أبو حاتم كما في "المراسيل" (508):
"علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مرسل إنما يروي عن مجاهد، والقاسم بن محمد، وراشد بن سعد، ومحمد بن زيد".
وقال ابن حبان في "الثقات" 7/ 211:
"يروى عن ابن عباس الناسخ والمنسوخ ولم يره".
الثانية: أبو صالح هو كاتب الليث بن سعد: صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة كما في "التقريب".
وعلى فرض ثبوته عن ابن عباس فليس معناه الكفر العملي، ولكن معناه أن الكفر الاعتقادي مراتب، فالحكم بغير ما أنزل الله – وإن كان كفرا أكبر – لكن الكفر بالله واليوم الآخر أشد منه.
وله محمل آخر وهو أن هذا في القضايا التركية كما تقدم عن مفتي بلاد الحرمين العلّامة محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، والعلّامة ابن عثيمين رحمهما الله تعالى فقد فرّقا بين المقرر المثبت لشرع الله الملتزم له، المنقاد إليه بعصيانه في الواقعة ونحوها وبين من بدّل الشريعة الإسلامية السمحاء وجعل القوانين الوضعية هي المرجع، لأنه لا يستقيم أن ينسب لابن عباس رضي الله عنهما مثل هذا، وهو القائل "أراكم ستهلكون أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقولون قال أبو بكر وعمر".
وفي لفظ "ما أراكم إلا سيخسف الله بكم الأرض أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر".
هذا يقوله ابن عباس فيمن يريد معارضة السنة النبوية بقولي الخليفتين الراشدين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، اللذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم "إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا".
وقال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ" فماذا يقول ابن عباس فيمن استبدل الشريعة المطهرة بآراء وأهواء واصطلاحات تُكتب في الصباح وتُنسخ في المساء؟!
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في "المطلب الحميد" (ص 116):
"تحكيم القوانين الوضعية بأي صورة كانت: نوع من أنواع الشرك الناقض لمعاني كلمة التوحيد واعتداء سافر على حاكمية الله وتطاول مخذول على خصائص الألوهية، فضلا عن اشتمالها على الظلم الفادح وقصورها الذي هو شأن كل عمل بشري".

[4]وقال  أيضا كما في "فتاواه ورسائله" 12/ 251:
"وتحكيم الشرع وحده دون كل ما سواه شقيق عبادة الله وحده دون سواه، إذ مضمون الشهادتين أن يكون الله هو المعبود وحده لا شريك له، وأن يكون رسوله صلى الله عليه وسلم هو المتبع المحكم ما جاء به فقط، ولا جردت سيوف الجهاد إلا من أجل ذلك والقيام به فعلاً وتركا وتحكيما عند النزاع".
وقال أيضا كما في "مجموع فتاواه ورسائله" 12/ 280:
"القوانين كفر ناقل عن الملة، اعتقاد أنه حاكمة وسائغة وبعضهم يراها أعظم فهؤلاء نقضوا شهادة أن محمد رسول الله، ولا إله إلا الله أيضا نقضوها، فإن من شهادة أن لا إله إلا الله لا مطاع غير الله كما أنهم نقضوها بعبادة غير الله، وأما الذي قيل فيه: كفر دون كفر، إذا حاكَمَ إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاص وأن حكم الله هو الحق فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها، أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر، وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل، ففرق بين المقرر والمثبت والمرجع جعلوه هو المرجع فهذا كفر ناقل عن الملة".
فالشيخ رحمه الله تعالى يفرّق بين المقرر المثبت لشرع الله الملتزم له، المنقاد إليه بعصيانه في الواقعة ونحوها وبين من بدّل الشريعة الإسلامية السمحاء وجعل القوانين الوضعية هي المرجع.
وجاء هذا واضحا في الفتوى التالية 12/ 280، فقال طيب الله ثراه:
"القوانين المتخذة في المحاكم من هذا الباب جعلوه مثل الرسول تكتب به الصكوك أن الحق لفلان، والحق لفلانة، والقانون الذي جاء من فرنسا يجعل مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هذا لو كان العلماء فكيف الذي جاء من الشياطين وأميركا وفرنسا؟! وإذا كان من باب الحكم فهو أعظم، ما فيه حكم إلا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن اتخذّ مطاعا مع الله فقد أشرك في الرسالة والألوهية، وهذان الواحد منهما كفر بخلاف المسألة الواحدة فإنها ليست مثل الذي مصمم ومحكم فإن هذا مرتد وهو أغلظ كفرًا من اليهودي والنصراني".
وقال 12/ 262:
 "إن الذي استنكرته واستنكره كل مسلم وكتبت لجلالة الملك حفظه الله فيه وكلمته شفهيا عدة مرات بشأنه هو تخصيص أعضاء قانونيين بجانب الأعضاء الشرعيين في هذه الهيئة - كما ينص عليه التبليغ الذي أرسل إلى الأعضاء - وتعيين الأعضاء القانونيين مع الشرعيين معناه الإشتراك في الأحكام التي يصدرونها باسم المصالحة وتوقيعها من قبل الشرعيين والقانونيين معًا، وهذا بلا شك يجعل هذه الأحكام خاضعة لآراء هؤلاء القانونيين كما أنها خاضعة لآراء الشرعيين، وهذا فيه تسوية بين الشرع والقوانين الوضعية، وفتح باب لتحكيم القوانين الوضعية واستبدال الشريعة الإسلامية السمحاء بها، وهذا ما يأباه إمام المسلمين حفظه الله، ويأباه كل مسلم صادق في إسلامه، لأنه بحكم غير الشريعة بين الناس معناه الكفر والخروج من الإسلام والعياذ بالله.
وأما تسمية هؤلاء القانونيين (بأهل الخبرة) أو نعتهم بأنهم (مستشارون) فهذا لا يغير من الأمر شيئًا، والواجب هو تشكيل هذه الهيئة من الرجال الشرعيين الذين يحكمون بين الناس بشرع الله، وينفذون ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم من الحكم بين الناس بالحق والعدل، المتمثلين في هذه الشريعة السمحاء الكفيلة بمصالح الناس وفوزهم ونجاتهم، فالقانون ورجاله لا يجوز بحال من الأحوال أن يحكموا بين الناس، لأنهم إذا حكموا في أمر فسيحكمون بما تقتضيه القوانين الوضعية المخالفة لدين الله وشرعه، لأنهم لا يحسنون سواه، وما يصدر منهم من الأحكام التي توافق الحكم الشرعي فهو إنما جاء عن طريق الصدفة، وعن غير قصد للأمر الشرعي".
وسُئل رحمه الله هل تجب الهجرة من بلاد المسلمين التي يحكم فيها بالقانون؟
فأجاب: "البلد التي يحكم فيها بالقانون ليست بلد إسلام، تجب الهجرة منها، وكذلك إذا ظهرت الوثنية من غير نكير ولا غيرت فتجب الهجرة فالكفر بفشو الكفر وظهوره، هذه بلد كفر.
أما إذا كان قد يحكم فيها بعض الأفراد أو وجود كفريات قليلة لا تظهر، فهي بلد إسلام ...
ولعلك أن تقول: لو قال من حكّم القانون: أنا أعتقد أنه باطل.
فهذا لا أثر له، بل هو عزل للشرع، كما لو قال أحد: أنا أعبد الأوثان، وأعتقد أنها باطل.
وإذا قدر على الهجرة من بلاد تقام فيها القوانين وجب ذلك".
"فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ" 6/ 188.
وقال رحمه الله تعالى 12/ 328:
"إن أهل القوانين الوضعية يقولون: ها أنتم أيها المنتسبون إلى الحكم بالشرع في أيديكم كتب هي كتب رأي وكتب مقلدين ونحن ننظر إلى الأصول وكثير من أوضاعنا موافق للنصوص الشرعية وفي الكتب الفقهية.
فيقال: لا حجة في ذلك:
أولا: إن هؤلاء المقلدين معولون على الشرع فصار لهم أخطاء، فأين أناس لا يرون حاكما إلا الشرع من أناس يدخلون فيما يرونه أشياء، ثم ما فيه من كونه شرعيا لم يأخذوه لأنه شرعي بل لكونه ينفع الرعايا كذا وكذا في زعمهم.
ثم أيضا ما في كتب الفقهاء أكثره ومعظمه شرعي إنما كثير منها مما جنسه سائغ للضرورة وقول معاذ للنبي صلى الله عليه وسلم: (اجتهد رأيي) فإن النصوص كفيلة بالأحكام لكن تقصر بعض الأفهام ثم جنس من النصوص قد يفهم بعض الناس الفهم الذي فيه قصور، فالأحكام الوضعية هي القوانين الكفرية".




حقوق النشر لكل مسلم يريد نشر الخير إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

أبو سامي العبدان حسن التمام